هشام غصيب والمشروع العلمي الثقافي

أجريت حوارا فكريا مطولا مع الأستاذ الدكتور هشام غصيب الرئيس المؤسس لجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا، وقد نشرته مجلة الفيصل السعودية في عددها الأخير، ورأيت أن كثيرا مما تحدث عنه غصيب في المقابلة وما اشتغل عليه بدأب منذ العام 1976 يصلح للمساهمة والحوار حول التعليم الجامعي؛ الذي صار في الأيام الأخيرة قضية رأي عام. عمل هشام غصيب بعد حصوله على الدكتوراة في الفيزياء من جامعة ليدز العام 1976 في الجمعية العلمية الملكية، واشتغل في مجال الثقافة العلمية، وقد أنجز مجموعة من الكتب والدراسات والمقالات العلمية بلغة عربية رصينة، ومن هذه الكتب: جدل الوعي العلمي، والعقل والمنهج في الثورة العلمية الكبرى، المغزى الحضاري التاريخي للعلم، وأتوقع أن أحد كتبه في الثقافة العلمية سيكون جزءا من مكتبة الأسرة لهذا العام. كانت الفكرة بوضوح كما قال لي في الحوار معه هي استيعاب وعرض وتقديم التقدم العلمي الناجز في عالم الغرب في كتب ودراسات عربية يستطيع المثقفون وطلاب العلم والأساتذة استخدامها في التعلم والتعليم والتثقيف، ثم -وعلى نحو لا يقل أهمية- تعزيز العقلانية العلمية في المجتمع، وتقديم محتوى علمي للفضاء العام والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وتوظيف المنهج العلمي في التخطيط والتفكير والحياة، وفي عبارة مختصرة علمية العمل والفضاء والحياة والتفكير على النحو الذي يمكن الشباب والمثقفين من بناء الأفكار ووجهات النظر في العمل والسياسة والاجتماع وأسلوب الحياة على أسس علمية جدلية تجعلها تملك فرص الإبداع كما هي أيضًا موضع مراجعة دائمة. تتداول كثيرا في هذا المجال مقولات ضآلة المخصصات المالية في الدول العربية للبحث العلمي، وضعف الحريات، لكنها على صحتها لا تحل مشكلة سيادة أنماط الوعي ما قبل العلمي في المجتمعات العربية، ويشمل ذلك النخب السياسية والأكاديمية والثقافية والاقتصادية. هكذا فإن مشروع الثقافة العلمية ينظر إلى العلم بوصفه ثقافة، أو وعيا اجتماعيا وقوة محركة للمجتمع والتاريخ، واستيعاب تطوره في الحضارة الغربية وتحوله إلى قوة جبارة، ومحور جوهري في الحياة المعاصرة. وسواء أعجبتنا طرائقه وأسسه ونتائجه أو لم تعجبنا، فإنه لا مجال لإغفاله أو صرف النظر عنه؛ لذلك فلا مفرّ للأمم التي فاتها العلم مثل الأمة العربية من السعي إلى تملُّك العلم بوصفه مشروعا ثقافيا. وقد جرت محاولات متعددة لكن متفرقة لتأسيس المشروع العلمي، لكنها ظلت محاولات فردية متفرقة لم تتحول إلى تيار مؤسسي شامل وسائد. ولا شك أن هذا الإخفاق يرتبط ارتباطا وثيقا بإخفاقنا التاريخي في تملك الحداثة وتحقيق التنمية. ذلك أن مشروع الثقافة العلمية مهمة أساسية من مهمات النهوض العربي المطلوب. يقول هشام غصيب: بناء على تجربتي الشخصية في الثقافة العلمية أعتقد أن المشروع في حاجة إلى اهتمام كبير باللغة العربية لتكون قادرة على استيعاب التقدم العلمي ومواكبته، وتأكيد العلم بوصفه فكرا وثقافة وإنتاجا اجتماعيا رفيعا، وتأكيد العقلانية العلمية التي تشكل المرجعية الأساسية للممارسات العلمية، وبيان جوهرها المتمثل في العلاقة الجدلية بين النظرية الرياضية والقياس الدقيق، وأن العلم لا يعتمد أساسا له سوى العقل العلمي، وحيازة أدوات التفكير العلمي والممارسة العلمية ومعناها وشرعيتها، مثل الاستنتاج والاستقراء والاشتقاق والتركيب الجدلي والاختبار العملي والاختبار الخيالي والنقد والملاحظة الذكية. وتعميم دراسة ونشر الأفكار العلمية وتحدياتها الفكرية وأصولها الفكرية والتجريبية. ولعل المثال الأكبر في التاريخ على مشروع الثقافة العلمية هو المشروع الذي نفذه فلاسفة التنوير في فرنسا في القرن الثامن عشر. وخاصة فولتير، الذي نقل إلى الفرنسية فيزياء نيوتن، ودنيس دديدرو، صاحب الموسوعة العلمية الشهيرة؛ إذ أدرك أولئك الفلاسفة الأفذاذ التحدي الذي فرضه عليهم مشروع غاليليو– نيوتن، فابتكروا مشروع الثقافة العلمية من أجل امتلاك العلم. هشام غصيب قدم مشروعا فكريا عمليا ومتقدما، ونحتاج إلى أن نستمع إليه.اضافة اعلان