هل أخطأت الولايات المتحدة في قراءة الشارع الإيراني؟

محتج إيراني يحمل صورة لترامب مع عبارة "فلتسقط أميركا" - (أرشيفية)
محتج إيراني يحمل صورة لترامب مع عبارة "فلتسقط أميركا" - (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

سكوت بيترسون - (كرستيان سينس مونيتور) 31/7/2018

بدت احتجاجات الشوارع الأخيرة على الوضع الاقتصادي في طهران وكأنها توحي بأن البلد يمكن أن يكون مكشوفاً أمام الضغط الخارجي. لكن الإيرانيين يقولون إن البيت الأبيض أخطأ الحساب، وبطريقة أدت إلى مزيد من الوحدة الداخلية بدلاً من ذلك.

اضافة اعلان

*   *   *

لندن- جاء تصعيد الرئيس ترامب للخطاب المعادي لإيران والضغط الأميركي المتزايد ضد الجمهورية الإسلامية بمثابة هدية للأقلية الإيرانية الصاخبة من المتشددين المهووسين بحرق الأعلام الأميركية.

لكن الحملة الأميركية تفعل أكثر من مجرد تقوية المتشددين. فوسط جهد أوسع نطاقاً تبذله الإدارة الأميركية لتعميق عدم الاستقرار بين الإيرانيين الذين مزقتهم انقساماتهم السياسية والاجتماعية الخاصة، ثمة إشارات على أن استهداف إيران الذي يقوده ترامب ربما يأتي بنتائج عكسية، بينما يبدو أن الإيرانيين يلمون شتاتهم ويتَّحدون ضد عدو أجنبي.

إحدى نتائج الحملة الأميركية هي اللهجة الجديدة المناهضة لأميركا التي يستخدمها الرئيس الإيراني الوسطي حسن روحاني، الذي كان يدعو دائماً إلى التواصل مع الغرب. وثمة نتيجة أخرى هي أن جزءاً يعتد به من الإيرانيين الذين كانوا قد انطووا -بهدوء وإنما بشكل لا لبس فيه، وعلى مدى عقود- على إعجاب بالشعب الأميركي ونظروا إلى أميركا طويلاً على أنها منارة للأمل- أصبحوا يعيدون النظر في موقفهم.

يقول مسؤولو الإدارة إنهم "يدعمون الأصوات الإيرانية" عن طريق إثارة المشاعر المعادية للنظام والاستفادة من الاحتجاجات المحلية المتكررة في إيران. ولكن، كما يقول الإيرانيون والمحللون، فإن الافتقار إلى رؤية أميركية استراتيجية لإيران ما بعد النظام، وارتباط مسؤولي الإدارة بمنظمة "مجاهدي" -جماعة المعارضة المنفية شبه الطائفية المكروهة داخل إيران- خلقا بدلاً من ذلك مستويات نادرة من الوحدة الإيرانية.

يقول محلل مخضرم في طهران، والذي طلب عدم ذكر اسمه: "إذا كان هناك بعض الأمل (في واشنطن) بأن ممارسة نوع من الضغط من الخارج ستشجع الإيرانيين على الخروج إلى الشارع، فإن ترامب يرسل الإشارة الخطأ: ‘أنتم تخرجون إلى الشارع وتصنعون عدم الاستقرار، ونحن نجعل جماعة مجاهدي خلق يصعدون إلى السلطة". 

ويضيف المحلل: "مشاعر الكراهية، وانعدام الثقة، وعدم الرضا... تجاه المؤسسة تتنامى هنا، لا شك في ذلك. الناس يحتجون هنا وهناك. ولكن... ما يفعله ترامب" يجعل احتمال قيام انتفاضة شعبية أكثر بُعداً".

مستشهدة بـ"أميركا الحالية وهذه السياسات" التي أظهرت أن الولايات المتحدة "لا يمكن الاعتماد عليها مطلقاً"، رفضت طهران عرضاً من الرئيس ترامب مؤخراً بالاجتماع مع الزعيم الإيراني "من دون شروط مسبقة". وأوضح البيت الأبيض لاحقاً أنها ليست لديه خطط لتغيير سياسته القائمة على تصعيد الضغوط والعقوبات على إيران.

وفي المقابل، لجأ الإيرانيون العاديون إلى "تويتر" لمشاركة الهاشتاغات من نوع #اخرس يا ترامب؛ و،#توقفوا عن التدخل في إيران، لإدانة تصرفات الولايات المتحدة.

ويقول سعيد، طالب الهندسة الميكانيكية حليق اللحية في جامعة آزاد في طهران، والذي يقول إنه يؤيد الساسة الإصلاحيين: "جنون ترامب ليس له حد. لكن وحدتنا لا نهاية لها أيضاً. وهكذا، كلما زاد من إظهار أسنانه، كلما زدنا من عرض قبضات أيدينا".

ويضيف سعيد، الذي أعطى اسمه الأول فقط: "لقد مررنا بكل هذه العقبات في السابق، وهذه الأخيرة -ولو أنها الأكثر خطورة من كل ما سبق، أنا متأكد أننا سنتجاوزها ونتركها خلفنا بنجاح. إنه ترامب هو الذي سوف يُلقى به، بكلمات القائد الأعلى (آية الله علي خامنئي)، سوف ‘يلقى به في صندوق قمامة التاريخ’. سوف نقف خلف المؤسسة إلى الأبد".

وكان العداء المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران قد عرَّف النضال الجيوسياسي بين هذين العدوين اللدودين منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979.

"إياكم أن تهددوا الولايات المتحدة"

لكن عداء إدارة ترامب تجاه إيران يأتي بنتائج عكسية بشكل خاص، كما يقول الإيرانيون والمحللون. فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى ضبط ما تصفه بأنه "الأنشطة الخبيثة" لإيران ونفوذها الكثيف عبر منطقة الشرق الأوسط، فإنها تقوم بتصعيد العقوبات وتحاول علناً تأليب الإيرانيين ضد قادتهم من رجال الدين.

في أواخر تموز (يوليو)، أجاب ترامب على تحذير من الرئيس روحاني بعدم الاستخفاف بالقدرات العسكرية لإيران، بتغريدة كتبها كلها بالحروف الإنجليزية الكبيرة، والتي قال فيها لإيران: "إياكم أن تهددوا الولايات المتحدة أبداً مرة أخرى وإلا فإنكم سوف تعانون من عواقب لم يشهد لها مثيلاً سوى القليلون عبر التاريخ".

وأجاب قائد قوة القدس الإيرانية، الجنرال قاسم سليماني، مخاطباً ترامب: "تعالوا، نحن جاهزون. إذا بدأتم الحرب، فإننا نحن الذين سنحدد نهايتها".

بعد هجمات 11/9 في نيويورك وواشنطن، كان عدة آلاف من المواطنين الإيرانيين من بين الأوائل -ومن بين قلة قليلة- في الشرق الأوسط الذين أقاموا نشاطاً عفوياَ لإضاءة الشموع تضامناً مع الولايات المتحدة.

مع ذلك، يشتكي الإيرانيون اليوم أيضاً من اشتمالهم -إلى جانب الصوماليين واليمنيين- في حظر السفر الذي فرضه البيت الأبيض على سبع دول، حتى مع أن هناك ما يُقدر بمليون إيراني-أميركي يعيشون في الولايات المتحدة.

كما يشعر الإيرانيون بالحيرة من سحب ترامب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. وهم يشعرون بعضّة العقوبات الأميركية الجديدة التي تهدف إلى وضع ضغوط اقتصادية "غير مسبوقة" على إيران بقطعها عن العالم الخارجي، وإجبار جميع رجال الأعمال المنتمين إلى بلد ثالث على الانسحاب، وعرقلة بيع أي نفط إيراني.

يقول رمضان، المدرس المتقاعد في طهران: "لقد توقعنا دائماً أن يأتي الأميركيون لإنقاذنا، لكن ذلك حدث فقط بالأقوال وليس الأفعال. انظروا إلى ترامب... إنه حتى لا يدعنا نزور بلده. هل تعتقدون أننا يمكن أن نتوقع من مثل هذا الأحمق أن ينقذنا من حفنة من الحمقى الآخرين؟".

التضامن مع المحتجين

رفع وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، الرهانات في كلمة له يوم 22 تموز (يوليو) في جنوب كاليفورنيا أمام مجموعة ضمت مؤيدين إيرانيين-أميركيين لمنظمة مجاهدي خلق -وهي منظمة كانت مدرجة على القائمة الأميركية للجماعات الإرهابية حتى العام 2012. وقد دفعت المنظمة على مدى سنوات لمسؤولين كبار سابقين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي الحالي، جون بولتون، ومحامي ترامب الشخصي وعمدة نيويورك السابق، رودي غولياني، للتغطية على أجندتها الهادفة إلى تغيير النظام الإيراني.

وقال السيد بومبيو إن إدارة ترامب "تحلم لشعب إيران بنفس الأحلام مثلما تفعلون"، وتعهد بالتضامن مع المحتجين الإيرانيين بينما يسرد حالات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في البلد. لكنه قال أيضاً إن الولايات المتحدة لديها "التزام بوضع أقصى حد من الضغط لإعاقة قدرة النظام على توليد الأموال وتحريكها".

أعاد هذا الخطاب إلى الإيرانيين التحدي الذي تنطوي عليه إمكانية التوصل إلى تفاهم مع هذا البيت الأبيض، كما يقول جون ليمبرت، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي كان من بين 52 رهينة تم احتجازهم في السفارة الأميركية في طهران في العام 1979، وظلوا في الأسر لمدة 444 يوماً.

ويقول السيد ليمبرت، نائب مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون إيران ومؤلف كتاب "التفاوض مع إيران"، إن "ما يلفت الانتباه هو هذه الإعلانات غير المخلصة وغير المقنعة عن كم نحنُ ندعم الشعب الإيراني وتطلعاته".

ويلخص ليبمرت وجهة النظر الإيرانية: "لدينا هنا هذا الشخص (ترامب) الذي يقول أنه سيقتل الملايين منا، وأنهم سيقومون بخنق اقتصادنا... وهم سيدعمون تطلعاتنا إلى الديمقراطية. كم يظنون أننا أغبياء"؟ كما يقول ليمبرت.

"هناك حد لصبرنا"

مع ذلك، وحتى بينما ينتقد الإيرانيون ترامب ونهجه تجاه إيران، فإنهم يوسّعون نطاق اللوم عندما يأتي الأمر إلى المشاكل المحلية، ليشمل سوء الإدارة والفساد المزمنين في الوطن.

تقول ليلى، الموظفة في وزارة الصحة في طهران والتي ستتقاعد قريباً: "كانت الوحدة دائماً هي خيارنا ضد الأعداء. هذه المرة كان يجب أن تكون أكثر قوة، لأننا نواجه عدواً خاصاً، ليس لديه أي حدود أخلاقية".

وتضيف: "لكن هناك حدود لصبرنا أيضاً. يجب أن يرى مسؤولونا مشاكل الناس. إذا كانوا يحتاجون دعمنا، فإن عليهم أن يفعلوا شيئاً من أجل مصادر رزقنا... سوف تنهار الأمور، وحتى الوحدة لن تنفع عندما لا يكون لديك خبز".

شهد الإيرانيون على مدى قرنين النتيجة السلبية للتدخلات الخارجية، وفي حالة الولايات المتحدة، كان الانقلاب الذي دبرته وكالة المخابرات المركزية الأميركية في العام 1953 هو الذي يعتبره الكثيرون الأساس للثورة الإسلامية التي جاءت بعد عقود لاحقاً.

يقول المحلل الإيراني: "من الصعب تصديق أن ترامب أو الإدارة الأميركية يقفون إلى جانب الناس. ‘إنك لا تستطيع أن تكون إلى جانب الناس عندما تلحق الأذى بالناس’، هذا ما يقوله البعض".

ويضيف المحلل: "أعرف بعض الشباب الذين يشعرون بالاشمئزاز حقاً من النظام... لكن بعضهم ليسوا واثقين إزاء قيام ثورة ضده بعد الآن، لأن صورة مجاهدي خلق هنا ليست هي ما يريده هؤلاء الناس كقيادة جديدة".

ويقول أيضاً: "هذه النشاطات التي يقوم بها ترامب ومساعدوه للتقرب من مجاهدي خلق أخافت الكثير من الناس -ساعدت بشكل غير مباشر في إبعاد الناس عن فكرة الثورة ضد الملالي"، كما يقول.

 

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Has US misread the Iranian street?

[email protected]