هل ازدهرت الأعمال بعد الثورة المصرية؟

مصري يرفع علم بلاده فوق عمود إنارة، احتفاءً بانتصار الثورة - (رويترز)
مصري يرفع علم بلاده فوق عمود إنارة، احتفاءً بانتصار الثورة - (رويترز)

تقرير خاص – (الإيكونوميست) 13/8/2011

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

هل الثورة المصرية جيدة لازدهار الأعمال؟اضافة اعلان
ربما، لكن المستثمرين متخوفون.
عادت القمصان قصيرة الأكمام التي تحمل رسم "توت عنخ آمون" إلى العرض في الخارج؛ والشعارات التي تحتفي بثورة مصرة الديمقراطية ذهبت إلى الداخل. وفي مقابل 20 جنيهاً مصرياً (3.36 دولاراً)، سوف يبيعك بائع متجول في ميدان التحرير القاهري قميصاً يحمل رسم قبضة مرفوعة وشعار "الفيسبوك" –تذكاراً بكيف استخدم المتظاهرون وسائل الإعلام الاجتماعي للإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك.
يوجد في مصر ملايين لا تحصى من أصحاب المشاريع الصغيرة، ويعمل معظم هؤلاء خارج إطار القانون، وكان الخبير الاقتصادي البيروفي، هيرناندو دي سوتو، قد قدّر مرّة أن المؤسسات غير الرسمية توظف عمالاً بنسبة 40 % أكثر من كافة الشركات المسجلة قانونياً في مصر مجتمعة. والسبب هو الروتين المتشنج الذي يقبض على العنق. ووجد السيد دي سوتو أن الأمر استغرق 500 يوم في المتوسط لتسجيل مخبز صغير في مصر، أو 10 سنوات للحصول على الملكية القانونية لقطعة شاغرة من الأرض. ولذلك، ثمة القليل من العجب في أن يختار معظم جماعة الأعمال العمل بدون تراخيص أو حماية قانونية. وهناك القليلون ممن يدفعون الضرائب، أيضاً.
لأسباب واضحة، يبقى من الصعب الحصول على الأرقام الإحصائية عن الاقتصاد غير الرسمي. ولا أحد يعرف كم من المصريين أجبروا على الخروج من العمل منذ اندلاع الانتفاضة في شهر كانون الثاني (ديسمبر). لكن من الواضح أن السياحة، التي تقدم وظيفة واحدة من كل سبع وظائف في مصر، و11 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، قد تراجعت بشدة، وأصبح وصول الرحلات الدولية أقل بنسبة 35 ٪ في نيسان (أبريل) من هذا العام منخفضاً عن نفس الشهر في العام السابق، وفقاً للحكومة. وفي الربع الأول، كان الانخفاض عن العام السابق فاجعاً وبنسبة 46٪، وهو ما يكلف مصر ما يقدر بنحو 2 مليار دولار.
في الصيف، عادة ما يتقاطر السياح من الخليج إلى مصر. لكن أعدادهم كانت هذا العام في انخفاض، على الأقل لأن وسائل الإعلام في الخليج، -والكثير منها يملكها الأمراء- تصور الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية على أنها أنشطة دموية بشكل مخيف. وقد خفضت فنادق الخمس نجوم في جاردن سيتي، منطقة القاهرة الدبلوماسية، أسعارها بنسبة 50 ٪ أو أكثر. كما أن الحجوزات في شرم الشيخ، المنتجع الساحلي الذي يجذب زواراً أكثر من الأهرامات، انخفضت بشكل كثيف أيضاً.
لكن هذه القتامة والتشاؤم لن يدوما إلى الأبد. فقد أصيبت السياحة المصرية بجراحات من قبل، كان أكثرها إيلاماً في العام 1997، عندما قتل الإرهابيون وجرحوا 58 من السياح الذين يقضون العطلة في وادي الملوك. وفي تلك الحالة، ظل عدد السياح منخفضاً لمدة عام تقريباً. ويشير ذلك إلى مزيج مصر من أشعة الشمس رخيصة الكلفة، و5000 سنة من التاريخ، سوف تغري في النهاية الأوروبيين الذين يقدرون ميزانياتهم ونقودهم بالعودة، وهم الذين يمثلون، نمطياً، حوالي ثلثي مجمل عدد الزوار. لكن فقدان الوظائف، في المدى القصير، ينذر بالخطر؛ فهناك ما يقارب 700.000 من الشباب المصريين يدخلون سوق العمل كل عام. وإذا لم يتمكن هؤلاء من العثور على عمل، فإنهم قد يصبحون مفرطين في القلق ولا يهدأون.
بشكل عام، يعمل الغموض السياسي الذي يكتنف المرحلة الراهنة في مصر على إبقاء المستثمرين بعيداً، على الأقل حتى الآن. وقد شهد الربع الأول من العام 2011 صافي تدفق باتجاه الخارج للاستثمار الأجنبي المباشر يقدر بنحو 163 مليون دولار. (في الربع الأخير من العام 2010، كان صافي تدفق الاستثمار المتجه إلى الداخل حوالي 656 مليون دولار). ولم تقم الشركات الأجنبية بالانسحاب من مصر، وهي لا تريد خسارة موطئ قدم لها في أكبر دول الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 85 مليون نسمة، وهو ما يقرب من ربع عدد جميع العرب. ولم تتغير الأساسيات الاقتصادية إلى حد كبير: موقع مصر المهم على مفترق الطرق بين أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ما يزال جذاباً. كما يبقى هذا البلد أيضاً واحداً من أكثر اقتصادات العالم العربي تنوعاً.
أما مصارف التنمية الخارجية، الحريصة على مساعدة الديمقراطية حتى تنجح، فترخي رباط محفظتها فيما يبدو. وكان ذراع التمويل في البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، قد قالا في أواخر تموز (يوليو) إنهما سيستثمران مبلغ 50 مليون دولار في أوراسكوم للصناعات الإنشائية (OCI)، أكبر الشركات المسجلة في مصر. كما سيقرضان أيضاً مبلغ 200 مليون دولار لأحد فروع شركة أوراسكوم للإنشاء، وهي مؤسسة تعمل في قطاع الأسمدة. وقد حصلت شركة "كاتيدال كابيتال"، وهي أكبر شركة في مصر برأسمال مال مضارب، على مبلغ 21 مليون دولار من مصارف التنمية الأوروبية لإنشاء صندوق للنقل النهري المصري.
لكن المستثمرين ما يزالون حذرين ويساورهم القلق؛ فقد رتب نظام مبارك الفاسد والوحشي نفسه على هيئة صديقة للأعمال. (والواقع أنه قام بتحرير قواعد الاستثمار وخفض الضرائب، ولو أنه حبذ بقوة أيضاً رجال الحشية والتابعين المقربين على رجال الأعمال المستقلين). والآن، وبعد أن رحل النظام، فإن هناك خطراً من صدور رد فعل عنيف ضد جميع قطاع الأعمال التجارية، الملطخ بوصمة التبعية. ويتنهد أحد المصرفيين وهو يقول: "إن الأفلام تصور الجميع (رجال الأعمال) في رداء الشر".
بطبيعة الحال، تفعل الشركات كل ما في وسعها حتى تنأى بنفسها عن النظام القديم. وتمتلئ اللوحات الإعلانية بالثناء شباب مصر، وتَعْرِض أطفالا صغارا رُسمت على وجوههم الأعلام المصرية، إلى جانب عبارات الحث على شراء الهواتف النقالة الجديدة. ويمكن أن يأتي ذلك بنتائج عكسية: كانت شركة "فودافون" قد تعرضت لانتقادات في حزيران (يونيو) بعد إعلان ربطها بـ"سلطة الشعب" للثورة. ويتذكر الثوار الحقيقيون أن خطوط هواتفهم الخلوية وصلات الإنترنت الخاصة بهم قد قُطعت على الفور خلال فترة الاشتباكات، بناء على أوامر الحكومة.
يمكن للثورة أن تجعل مصر أكثر ازدهاراً، إذا كانت ستؤدي في النهاية إلى فساد أقل، ومؤسسات أقوى، وزيادة في حسن النوايا لدى مصريي الشتات، وسكان أكثر حماسة وتحفيزاً. وقد أصدرت شركة "كاتيدال" بياناً بعد أن أطيح بالرئيس مبارك، قالت فيه إن الديمقراطية ستكون جيدة لرجال الأعمال. ربما يكون الأمر ذلك. ويبتسم رئيس شركة لتوزيع المواد الطبية، ويقول إن البيروقراطيين أصبحوا الآن يعاملون الناس الذين يديرون الشركات الصغيرة (مثله) بطريقة أفضل نوعاً ما. فقبل الثورة، كما يتذكر، كانوا يهتمون فقط بمساعدة أصحاب الصلات الجيدة.


*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
 Business in Egypt: Is the revolution good for business?

[email protected]