هل تأخرنا كثيراً؟!

بالرغم مما بدا لكثير من المتابعين والحضور والمراقبين مقاربة مقنعة وعميقة قدّمها الرئيس عمر الرزاز، في محاضرته، التي نظّمها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أول من أمس، بعنوان "أولويات الحكومة وتحديات المرحلة"، إلاّ أنّه من الواضح أنّ هنالك مزاجاً سلبياً مشككاً ما يزال مهيمناً على شريحة اجتماعية عريضة.اضافة اعلان
لا أريد أن أتحدّث هنا عن ماكينات تعمل -سياسياً وإعلامياً- لإفشال الحكومة، من دون أن تدرك بأنّها تضع الجميع في مأزق كبير، بل عن الشريحة الاجتماعية العريضة، بخاصة من جيل الشباب، ممن لا يرون فروقاً جوهرية تحدث في الوضع السياسي والاقتصادي، حتى ضمن ما تمّ تسريبه من أخبار عن مشروع قانون الضريبة الجديد، بوصفه لا يختلف كثيراً عمّا قدمته حكومة الملقي!
بالرغم من أنّ الرزاز نجح في وضع سياق وإطار اقتصادي-اجتماعي صلب للمشروع الجديد، ضمن الحديث عن إعادة هيكلة التشريعات الضريبية، خلال الفترة المقبلة، والقيام بعملية إزاحة من المبيعات إلى الدخل، وهي مسألة تحتاج إلى وقت وتدرّج، لأنّ جزءاً كبيراً من موارد الموازنة يعتمد على المبيعات والضرائب والرسوم غير المباشرة، لذلك أصبح الأمر يتطلب خطوات متدرجة، في وقت حسّاس للوضع المالي العام، وهو ما وعد الرزاز بالمضي فيه، معترفاً -وهذا بحدّ ذاته جيد ومغاير للصورة النمطية- بأنّ العبء الضريبي كبير نسبياً على المواطنين، وليس فقط مرتبطاً بما يتم تحصيله من ضريبة الدخل.
على أيّ حال، وبعيداً عن تفصيلات القانون، فإنّ المزاج السلبي العام أصبح مهيمناً، وهو أمر -للأمانة- طبيعي، في ضوء الانتكاسات الاقتصادية-الاجتماعية، وحتى النفسية، التي تعرَّض لها المواطنون خلال الأعوام الماضية، والأخطاء المتراكمة في السياسات العامة، حتى وصلنا إلى مرحلة يبدو فيها الإصلاح في أيّ مجال وقطاع عملاً معقّداً وطويلاً ومتشعباً!
مثال على ما أقوله في التعليم العالي، الذي كما قال الرئيس ركّزنا فيه على الكمّ وتركنا الكيف، وكان جزءاً من عمليات الاسترضاء والمحاباة وضعف الاستقلالية، وتراجع العمل الطلابي، وغير ذلك من كوارث ارتُكبت بحق الجامعات، حتى ينتهي الأمر إلى أن يتم الاعتداء على رئيس جامعة وإخراجه بالقوة، ويقدم نفسه -وهذا قرار أحترمه- على إبداء عدم رغبته في قبول التجديد، لأنّ الوضع في الجامعة، وبالمناسبة الحال نفسها لكثير من الجامعات، لم يعد يمكن الاستمرار فيه على هذا النحو!
إذا كان ذلك على مستوى مؤسسة واحدة، فكيف سيكون الأمر على مستويات أخرى عديدة، مثل ما حدث مع المشتبه الأول في قضية الدخان، وهو عوني مطيع، وقبله وليد الكردي، وغيرهما، فهل هنالك من يشرح لنا كيف حدث ذلك؟ ومن المسؤول بقصد أو غير قصد؟ ألا يقتضي ذلك إشعال الأضواء الحمراء كافّة للتخلص من الاختراق الخطير الذي حدث في هذه المؤسسات، وقبل ذلك معرفة حجم هذا الاختراق؟!
الإصلاح تأخر كثيراً، لكن السؤال يبقى فيما إذا كان هنالك قناعة لدى الجميع، في أوساط الدولة، بالمضي قدماً بهذا المسار، أم أنّنا ما نزال في طور الإنكار، لأنّ الإصلاح يتطلب رسائل أكثر قوة وأوراقا حقيقية تعطى لرئيس الوزراء ليقدمها للشارع، لعبور المنعرجات المقبلة، أو تكون حاله كمن رُبّط بقدميه ويديه وألقي في البحر ليسبح مع الدعاء له بالنجاة!