هل تؤثر الأجهزة الإلكترونية على التطور العقلي والانفعالي للطفل؟

عمان- يصحو الطفل من النوم باكيا، تهرع أمه الى سريره، مع تلفونها الذكي وتعطيه للطفل الذي لم يبلغ بعد السنتين من العمر. يتلقف الطفل الجهاز ويتوقف فوراً عن البكاء، ويوجه انتباهه الى الشاشة التي تعرض له صوراً متحركة لشخصيات كاريكاتيرية تقوم بحركات غير واقعية وبسرعة هائلة. لا يستوعب الطفل ما يرى ولا يفهم ما يسمع، ولكنه يتابع الحركة ويعتاد على الإيقاع.
ويحين وقت الطعام، فيظهر التلفون الذكي مجددا، بأغان وأفلام لا علاقة لها بالواقع ولا بهدف تربوي، إلا أنها تشد انتباه الطفل فيتوقف عن البكاء وينصاع لما يملى عليه من طعام أو لباس أو جلوس.
ومع مرور الوقت، فإن الطفل لا يهدأ إلا بمساعدة التلفون، ولا يأكل إلا والتلفون أمامه على الطاولة، ويقضي معظم ساعات نهاره محدِّقاً في الشاشة.
يلجأ الأهل إلى التلفون الذكي، أو الصحيفة الالكترونية، أو التلفزيون في الأوقات التي تتعارض فيها رغبات الطفل ورغبات الأهل، فيتحول انتباه الطفل الى الجهاز، وينفصل عن الواقع وينتهي الخلاف، مؤقتاً، وبثمن باهظ.
لأن هذه المواقف تشكل فرصا ذهبية لا تعوض، لتعليم الطفل كيف يتواصل إيجابيا مع المحيطين به وكيف يتعامل مع الإحباط بطريقة إيجابية وفعالة. عندما نلجأ الى الأجهزة الالكترونية لإلهاء الطفل، وتحويل انتباهه فإننا نحرم الطفل من فرص للتفاعل البنّاء مع محيطه الاجتماعي، ومن تعلّم طرق التعامل والتواصل السليم مع الناس.
مشاهدة الأفلام والبرامج على الشاشات الالكترونية تستحوذ على انتباه الطفل عن طريق تأثيرات صورية وصوتية متلاحقة، ولا توفر الفرص للتفاعل الاجتماعي الهادف والبناء، ولذلك فإنه لا يوجد له فائدة لها في هذا العمر.
ولكن عندما تستجيب الأم أو الأب لتصرفات وكلام الطفل بهدوء وإيجابية، يتعلم الطفل التصرفات السليمة، ويتعلم أيضا أن تصرفاته لها نتائج، وكيفية التحكم بانفعالاته وتصرفاته للحصول على النتيجة المرضية.
يتعلم الطفل كل هذه الدروس بسهولة في الأعوام الأولى من العمر؛ حيث يمر الدماغ في طور نمو سريع يمكنه من اكتساب القدرات العقلية واللغوية بسرعة.
ما يتعلمه الطفل في هذه الفترة الأساسية من التطور السريع يكوِّن الأساسات التي يبني عليها مستقبله العقلي والانفعالي والتعليمي. إضافة الى ذلك، فإن ما يتعلمه الطفل في هذه الفترة من العمر يترسخ ويصبح أحد أنماط سلوكه التي تبقى معه، ويصعب تغييرها في المستقبل.
في دراسة نشرت مؤخرا في مجلة الجمعية الطبية الأميركية، وجد الباحثون أن الأطفال الذين يكثرون استعمال الشاشات الالكترونية يعانون من ضعف في مناطق الدماغ المسؤولة عن اكتساب اللغة والقدرات الأكاديمية، مقارنة بالأطفال الذين يحد من استعمالهم لهذه الأجهزة أو الذين لا يستعملونها إطلاقا.
نتائج هذه الدراسة تتطابق مع تجارب أطباء الأطفال في الأردن والذين يعبرون عن قلقهم الشديد حول التأثير السلبي الذي يسببه استعمال الأطفال الصغار للشاشات الالكترونية على التطور اللغوي والتنظيم السلوكي والانفعالي عند الأطفال.
وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدّين، خصوصا خلال فترة التعلّم المتسارع في الأعوام الأولى من العمر. يجدر بنا أن نستعمل هذه الفترة الذهبية للتفاعل مع الأطفال، ولتعليمهم المهارات الحياتية والاجتماعية بدل أن نتركها تهدر أمام الشاشات الالكترونية.

اضافة اعلان

د. أروى كايد عبد الحق
أخصائية في تطور وسلوكيات الأطفال