هل تجلب الأبوة السعادة؟

ترجمة: نوال العلي

عمّان- كانت "سونورا سمارت دود" تستمع لحديث حول التضحية بالنفس عندما قررت أن أباها، الأرمل الذي ربى ستة أطفال، يستحق يوم عيده الخاص.

اضافة اعلان

بعد ذلك بقرابة القرن، أصبح من المعروف أن يحتفل الناس في شهر يوليو بعيد الأب، مهدين لآبائهم عطور ما بعد الحلاقة وربطات عنق، هذا الأمر الذي يجعل ملايين الآباء يفكرون بنفس الفكرة تماماً بنفس الوقت "أبنائي يفكرون بي، أسعدوني".

هل يمكن أن يكون هؤلاء الآباء على خطأ؟

 

تكشف الدراسات عن أن معظم المتزوجين يبدأون حياتهم بسعادة، ثم يتناقص مستوى رضاهم عن طريقة حياتهم، خصوصاً في المراحل التي يرتدي فيها أطفالهم الحفاظات، ومرحلة المراهقة، ولا يعودون إلى مراحل السعادة الأولى إلا عندما يكبر أطفالهم ليغادروا المنزل في بحثهم عن طرقهم الخاصة.

بمراقبة علماء النفس للسلوك الحسي للأشخاص أثناء قيامهم بنشاطات الحياة اليومية، وجدوا أن السعادة التي يشعر بها الآباء عندما يتواصلون مع أبنائهم هي أقل منها عند القيام بأكل الطعام، التسوق، ممارسة الرياضة أو مشاهدة التلفاز. مؤكدين على أن الشعور الذي يمنحه القيام بمهام الأبوة بالنسبة للآباء هو نفس الشعور الذي يتأتى عند العناية بالمنزل.

بينما اهتم الاقتصاديون بالبحث في تأثير التغيرات على سعادة الأشخاص بشكل عام ليجدوا أن الأطفال لهم تأثير بسيط على سعادة الآباء؛ تأثير سلبي بسيط.

قد تبدو هذه النتائج عصية على الفهم وغير مقبولة لأنها تهدم أكثر مشاعرنا صلابة: نحن نحب أطفالنا، ونتكلم عنهم لأي شخص على استعداد للاستماع وفي أي وقت، نطلعهم على صورهم ونخبئ الجدران والثلاجات بإنتاجاتهم الإبداعية من رسم وأولى حروف كتابتهم وملاحظاتهم. ونشعر بالثقة بأننا سعداء مع أطفالنا، بأن حياتنا لهم، حولهم، بهم وبسببهم، فلماذا تظهر خبراتنا الشخصية على هذا النحو في الأبحاث النفسية؟

السبب الأول: يتفق علماء النفس على أننا مستعدون لدفع الكثير مقابل الحصول على ما يسعدنا، هذا ما يجعل أسوأ شوكولاته بلجيكية أغلى ثمناً من أفضل شوكولاته صينية مثلاً، لكن تلك العملية ممكن أن تجري بالعكس أيضاً: يمكن أن ندفع الكثير بمقابل ما نعتقد أنه سيسعدنا، لذلك نحن نعتد بالسيارات الجديدة والملابس ذات الماركات المشهورة.

القوة التي تدفعنا للعناية بأطفالنا قد وجدت في الجينات الخاصة بنا منذ الأزل، لذلك نكدح ونعرق، يفوتنا النوم، نلعب دور الممرض، الخادم، السائق والطباخ. ونحن نفعل ذلك لأننا لا نستطيع الاعتناء بالأطفال بغير تلك الطريقة.

ومن خلال الثمن الغالي الذي ندفعه لا يبدو مفاجئاً أننا نعقلن تلك الأثمان لنصل إلى قرار بأن هؤلاء الأطفال سيقومون بإعادة تلك الأثمان عن طريق إسعادنا.

السبب الثاني: إن كان فريقك المفضل متعادلاً مع الخصم حتى آخر دقيقة ليسجل هداف فريقك هدفاً، ستكون تلك من أفضل ذكرياتك لتلك الفترة. تهيمن الأمثلة الأقوى تأثيراً على الذاكرة، وليست النموذجية منها، فلحظة كتلك ستمحو ذاكرتنا عن كل وقت المباراة الممل. ذلك ما يجعل الذكرى الأكثر تأثيراً هي عندما تنظر إليك طفلتك ذات الثلاثة أعوام من بين الفوضى التي خلفتها وهي تنجز أول طبق لها وتقول: "بابا أحبك"، ويمكن لتلك اللحظة أن تنسيك يوماً كاملاً من المناكفة قد قضيتها معها.

كثيراً ما يمكن للأطفال أن يمنحونا السعادة، لكنها سعادة حسية غامضة ولا تدوم في الذاكرة.

السبب الثالث: رغم أن معظم الناس يؤمنون بأن الهيروين هو مصدر للتعاسة البشرية، لا يسبب الهيروين، عند تعاطيه، تعاسة للمتعاطي، بل على العكس، إنه يجعلهم يشعرون بشكل جيد، إلى الدرجة التي يزيح عن طريقه أي مصدر آخر للبهجة: الأهل، الأصدقاء، الطعام، العمل، الجنس، ليس منهم من يستطيع منافسة تجربة الوقوع تحت أثر المخدر، لذا تسقط كل تلك الخبرات على جانب الطريق لمصلحته.

قياس ذلك على الأطفال واضح جداً، حتى لو كانت صحبتهم تمنح بهجة متواصلة وغير منقطعة، فحقيقة أنهم متطلبون لهذه الصحبة تعني أن أي مصدر بهجة آخر سيختفي: الأفلام، المسرح، الحفلات، السفر، هذه فقط عدة كلمات من الكلمات التي ينسى الآباء الجدد أن يرددوها في عقولهم بسرعة بعد قدوم طفل جديد.

نحن نؤمن أن أطفالنا هم بهجتنا العظمى، نحن بالتأكيد على صواب؛ فعندما تمتلك مصدر بهجة واحد، تتجه لكونها المصدر الأعظم.

يمنحنا أطفالنا الكثير من الأمور، لكن الازدياد في معدل سعادتنا اليومية هو على الأرجح ليس من خلالهم. عدا عن إنكار الحقيقة يجب أن نحتفي بها. قدرتنا على الحب هي أعمق من أية مقاييس، فأولئك الذين امتصوا صبرنا وساهموا بإرهاقنا على مدى الزمن هم، فجأة، أعظم وأنبل عرق إنساني. حقيقة أن الأطفال لا يجعلونا نشعر بالسعادة، وأننا سعداء فقط لمجرد أنهم موجودون، هي الحقيقة التي ألهمت "سونورا سمارت دود"، عندما فكرت أننا نفعل خيراً بتذكر الأب.