هل تريد قتل أحبتك..أشعل سيجارة!

هل تريد قتل أحبتك..أشعل سيجارة!
هل تريد قتل أحبتك..أشعل سيجارة!

عمان-الغد- لا يقتصر أذى التدخين على المدخن، بل يتعداه إلى كل من زكم أنفه بـ(عبير) الدخان (العليل)! وهذا ما يسمى بالتدخين السلبي أو التدخين القسري، وهو تعرض غير المدخن للدخان المنبعث من سيجارة أو سيجار أو غليون أشخاص آخرين، ويأتي هذا النوع من التدخين من مصدرين هما: الدخان المباشر الذي ينبعث من السجائر ويمثل 85% من الدخان الذي يلوث المكان المغلق، والدخان غير المباشر المتطاير بعد استنشاقه من قبل المدخن وخروجه مع الزفير ويشكل 15% من الدخان الملوث للمكان المغلق.

اضافة اعلان

قد تفاجأ عندما تسمع بعض مما توصلت إليه الدراسات الحديثة فيما يتعلق بأخطار ما يسمى بـ "التدخين السلبي"؛ حيث أكدت بعض هذه الدراسات أن التلوث البيئي الناجم عن دخان التبغ له آثار سلبية على غير المدخنين تفوق خطورتها ما كان يعتقد في الماضي.

ذلك أن المدخن يستنشق حوالي 15% فقط من محتويات السيجارة، بينما ينفث 85% من طرفها المحترق إلى الهواء ليستنشقها الضحايا الذين لا ذنب لهم سوى وجودهم في المكان نفسه، الذي (يعطره) المدخن بسيجارته.

فعلى ماذا تحتوي نسبة الــ 85%  هذه يا ترى؟ فلتعلم أن الدخان الذي ينبعث من أفواه المدخنين من حولك يحتوي على حوالي أربعة آلاف مادة كيميائية مختلفة تتسبب بالإصابة بمختلف أنواع الأمراض السرطانية، ولا تقتصر بتأثيرها على فئة عمرية معينة إنما تعرض الكبار والصغار وحتى الرضع إلى خطر كبير.

وللتدخين السلبي آثار سيئة بعيدة وقريبة المدى؛ فعلى المدى البعيد يعتبر التعرض للتدخين السلبي سببا رئيسيا في الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات بأنواعها؛ فقد أثبتت الأبحاث العلمية أن غير المدخنين الذين يستنشقون دخان التبغ معرضون لنفس الأمراض التي يعاني منها المدخنون.

أما على المدى القريب فيعاني المدخن (السلبي) من أمراض عدة، أبرزها: حساسية في العين والأنف والحلق والحنجرة، إضافة إلى الصداع والدوار والغثيان والتهابات الأذن الوسطى عند الأطفال، ونوبات الربو.

قتل الاطفال!

 ضرر التدخين السلبي يعم الجميع على اختلاف أعمارهم، إلا أن النساء والأطفال هم أكثر الفئات تأثرا بالأضرار التي تنجم عن العيش في بيئات ملوثة بهذا النوع من التدخين.

وقد تتساءل لماذا يعد الأطفال من الفئات الأكثر عرضة للتدخين السلبي؟ إن صغر حجم رئتي الأطفال وصغر حجم جسمهم يعنيان شدة تعرضهم لأذى المواد السامة الضارة الموجودة في الدخان، كما أن صغر جهازهم التنفسي وضعف أجهزتهم المناعية مقارنة بالبالغين،  ولأنهم يتنفسون بشكل أسرع من البالغين، كل هذا يجعلهم يستنشقون كميات أكبر من المواد الكيميائية الضارة لكل كغم من وزنهم مقارنة بالبالغين في الوقت نفسه، كما أن قضاء الأطفال وقتا طويلا مع والديهم والأشخاص الآخرين الذين يعتنون بهم، وعدم قدرتهم على مغادرة المكان والابتعاد عن الدخان يعرضهم للدخان لفترات أطول من غيرهم. وإذا أردنا الحديث عن الأضرار التي تلحق بالنساء والأطفال جراء التدخين السلبي فإن القائمة تطول؛ حيث يتسبب هذا النوع من التدخين بحدوث الإجهاض، وزيادة إمكانية حدوث الحمل خارج الرحم ،وولادة الطفل قبل أوانه ونقصان وزن المولود ،علما بأن الأطفال الذين يولدون بأوزان خفيفة يكونون عرضة للإصابة بالالتهابات والمشاكل الصحية الأخرى. كما يزيد التدخين السلبي من احتمالية إصابة الجنين بتشوهات خلقية، كما يؤثر على دقات قلبه وتنفسه وقدرته العضلية ومستقبله الصحي والعصبي، وقد لوحظ أن رئة الأطفال الذين يتعرضون للتدخين السلبي من قبل الأبوين أو أحدهما في المنزل أقل كفاءة وقدرة على أداء وظائفها بالمقارنة مع أقرانهم ممن لا يتعرضون التدخين السلبي.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأطفال المعرضين لآثار التدخين السلبي في المنزل هم أكثر عرضة للإصابة بعدة أمراض خطيرة أهمها: تصمغ الأذن ونوبات الربو الشعبي الحادة المتكررة, التهابات الرئتين (التدرن) والتهاب الشعب الهوائية وكذلك التهابات الأذن الوسطى والتهابات الأنف أو الحنجرة أو الصدر، وقد يعانون من الخناق أو الصفير عند التنفس، كذلك فإن الأطفال المعرضين للتدخين السلبي هم أكثر تغيبا عن المدارس بسبب كثرة الأمراض التي يتعرضون لها، وهم أقل قدرة على ممارسة الرياضات المختلفة بشكل عام، كما يؤثر التدخين السلبي على مستوى ذكاء الطفل وذلك بحسب دراسة قام بها المركز الأمريكي للصحة البيئية للأطفال بعد أن أجرى دراسة على 4000 طفل. 

 أصبح ثابتا الآن أن أطفال الأمهات المدخنات هم عرضة للموت السريري المفاجئ، وتزيد نسبة احتمال حدوث هذا الأمر مع زيادة عدد السجائر التي تدخنها الأم يوميا، بل أثبتت الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن الجنين يتأثر بالتدخين حتى لو لم تدخن الأم بل تواجدت في محيط المدخنين، فكيف يؤثر الدخان المحيط على الجنين في بطن أمه؟ إن الحبل السري الذي يصل بين الأم وجنينها هو بمثابة خط الحياة لهذا الجنين فالدم الذي يسري فيه يمد الجنين بكل ما يحتاجه من أكسجين ومواد مغذية لكي ينمو ويولد بصحة جيدة، وعندما تدخن الأم وتستنشق غاز أول أكسيد الكربون فان هذا يعني انخفاض كمية الأكسجين الذي يصل إلى الجنين عن طريق الحبل السري، مما يزيد من سرعة نبض قلب الجنين ،وزيادة الإجهاد الكلي الملقى على جسمه الصغير الذي لا يزال في طور النمو. وتشير البحوث التي أجريت مؤخرا أن السجائر يمكن أن تقلل أيضا من تدفق الدم إلى المشيمة مما يؤدي إلى الحد من كمية المغذيات التي تصل إلى الجنين.

كما ثبت أن حليب الأم المدخنة يحتوي على بعض نواتج احتراق السيجارة مثل مادة النيكوتين ومواد أخرى سامة، وتكون زوجة المدخن معرضة للإصابة بسرطان الرئة أكثر بـ 3 أضعاف من المرأة التي تعيش في جو خال من التدخين.

إن الأطفال لأبوين مدخنين هم أكثر عرضة لأن يصبحوا مدخنين في سن مبكرة. ويحدث ذلك لسببين:

1- التقليد والقدوة الأبوية.

2- الأثر الفعال للتدخين السلبي اللاإرادي الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال منذ صغرهم. حيث ثبت علميا أن مادة النيكوتين في دخان السجائر هي مادة تسبب الإدمان, بل ان تأثيرها أقوى من كل من مادتي الكوكايين والهيروين. فلا عجب إذن أن يصاب أبناء المدخنين بآفة التدخين في سن مبكرة فيصبحوا هم أنفسهم مدخنين.

لا تعتقد أنه بمجرد اختفاء الدخان أصبح الجو نقيا وخاليا من أي سموم؛ فقد يظل دخان السجائر عالقا في الهواء حتى بعد أن يصبح من المتعذر رؤيته بالعين المجردة، فهو يصل إلى كل زوايا المنزل بما فيها الغرف التي لا تدخن فيها، واعلم أنه عندما تقوم أنت أو شريكك أو أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء بالتدخين في الأماكن التي يعيش فيها أو يتواجد فيها أطفال، انهم يدخنون أيضا. امنع التدخين في المنزل والسيارة، واحرص على أن يكون هذان المكانان على مستوى عال من النقاء والنظافة لكي يتمتع طفلك بهواء نقي وينمو نموا طبيعيا.وعلق لافتة "ممنوع التدخين" في المنزل والسيارة.

انتهاك الحرية

يؤثر التدخين السلبي على الكبار في السن من غير المدخنين، حيث يؤدي إلى إصابتهم بسرطان الرئة وأمراض القلب الوعائية، والربو والالتهابات الرئوية والتهابات القصبات الهوائية ،وضعف الدورة الدموية وتهيج العين والأنف والحساسية.

لقد أصبح التدخين السلبي مشكلة عالمية خصوصا في أماكن العمل ، وتشير دراسة قام بها باحثون درسوا تأثيرات التدخين السلبي على 8000 شخص بالغ، من 13 بلدا أوروبيا بالإضافة إلى أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، إلى أن للتدخين السلبي علاقة بضيق التنفس الليلي، وضيق التنفس الذي يحصل بعد القيام بأي نشاط جسدي وزيادة مستوى تأثر الشعب الهوائية.

وقد بنى الباحثون استنتاجاتهم على المعلومات التي حصلوا عليها حول التدخين السلبي وأعراض الأمراض التنفسية والربو والحساسية، من مشاركين في الدراسة لم يدخنوا على الإطلاق في السابق.

من الأخطاء التي يقع فيها مجتمعنا أنه يعتبر التدخين حرية شخصية، وهذا خطأ فادح، فعدا عن كون التدخين ضارا بصحة المدخن من جهة والأشخاص المحيطين به من جهة أخرى ،سواء أفراد عائلته أو أصدقاؤه أو زملاؤه في العمل، فهو أيضا  ضار بالبيئة والفكر والحضارة ويهدد حياتنا الاجتماعية؛ حيث ثبت مؤخرا أن تدخين الزوج سبب في ارتفاع نسبة الطلاق في مصر ،فهو يؤدي إلى عصبية الزوج وضياع أموال الأسرة ،ويصل الأمر إلى نفور بين الزوجين. إن التدخين السلبي الإجباري سلوك غير حضاري ويمثل انتهاكا صريحا لحقوق الأشخاص المحيطين بالمدخن ،والذين يهتمون بصحتهم ويحرصون على أن يعيشوا حياة صحية.

اول الغيث

إذا كنت قد ابتليت بأحد نوعي التدخين أو كليهما، لا زالت الفرصة أمامك، اتخذ قرار التحدي واعمل مع طبيبك ومن حولك للتوقف عن التدخين من أجل مستقبل أفضل، وتأكد أن توقفك عن التدخين من أهم وأفضل القرارات التي اتخذتها في حياتك، ولعل أول فائدة للإقلاع عن التدخين هو الحد من دمار المزيد من أجهزة الجسم وأنسجته ،وإعادة بناء الأنسجة من جديد، هذا بالإضافة إلى العديد من الفوائد الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن الفوائد الصحية للتوقف عن التدخين أنه خلال 8 ساعات من التوقف عن التدخين ينخفض مستوى غاز أول أكسيد الكربون في الدم، ويرتفع مستوى الأكسجين إلى المستوى الطبيعي، وخلال 24 ساعة تنخفض احتمالات الإصابة بالسكتة القلبية، وخلال 48 ساعة تبدأ أطراف الأعصاب في النمو مرة أخرى وتنشط المقدرة على الشم والتذوق، وخلال أسبوعين – 3 شهور تتحسن الدورة الدموية وتتحسن وظيفة الرئة لدرجة تصل إلى 30% تقريبا، وخلال 1 –9 شهور تلاحظ انخفاضا في معدلات الكحة والانسدادات الأنفية والتعب وقصر التنفس، وتحسن قدرة الجسم بصورة عامة.

 وخلال سنة واحدة تقل احتمالات الإصابة بمرض القلب التاجي بحوالي 50%، و خلال 5 سنوات تقل معدلات الوفاة بسبب السرطان الرئوي إلى النصف، وتنخفض احتمالات الإصابة بسرطان الفم والحنجرة إلى النصف بالمقارنة بغير المدخنين، وخلال 10 سنوات يقترب معدل الوفاة بسبب سرطان الرئة من المعدل الطبيعي لغير المدخنين، وخلال 15 سنة تصل احتمالات الإصابة بمرض القلب التاجي لتصبح مثل احتمالاتها عند غير المدخنين.

فهل ما زلت مترددا في الإقلاع عن التدخين..؟!

اسئلة محرجة

الأمر بحاجة إلى مجموعة من الخطوات الجريئة تخطوها لتقي نفسك وأطفالك حاضرا تعيسا ومستقبلا مريرا؛ فلماذا تسمح لضيوفك وأصدقائك بالتدخين في بيتك؟ و لماذا يهنئك أقاربك بالمولود الجديد والسيجارة في أيديهم وأفواههم؟ نفذ القاعدة التي تقول "ممنوع التدخين" في المنزل والسيارة، وتخلص من جميع منافض السجائر الموجودة في المنزل، واختر مكانا خارج المنزل للتدخين إذا زارك أحد وأراد أن يدخن، وضع فيه منافض سجائر على أن تكون بعيدة عن متناول الأطفال الرضع والأطفال الصغار، أما في العمل فكيف تقبل من زميلك أن يشعل سيجارته أثناء أوقات العمل، وكيف تسمح بتلويث هواء المكتب الذي تقضي فيه معظم ساعات يومك؟ وكيف ترضى أن يصادق ابنك أصحابا مدخنين؟ بل كيف ترسل ابنك ليشتري لك السجائر من البقالة، وأنت تحدثه أنك لم تشتر له بنطالا جديدا بسبب الضائقة المالية التي تمر بها!؟ لماذا تضحي بحاجاتك وحاجات عائلتك الأساسية من أجل سيجارة تضر بها نفسك ومن حولك؟ كل هذه أسئلة قد لا تخطر على بالك ،لكنك تخجل من نفسك عند التفكير بها بجدية، وتحاول تناسيها قدر الإمكان، بل إنك لم تحاول ولو لمرة واحدة أن تتحدث مع أخيك أو أبيك أو صديقك بصدق حول أمر تعتقد في قرارة نفسك أنه خاطئ، وتزعم بعدها أنك مخلص في أخوتك أو صداقتك! وتذكر هنا قول الحكيم إذ قال: صديقك من صَدقك لا من صدّقك. تذكر.. لا يوجد مستوى مأمون من التدخين؛ فهو يحمل تأثيره السلبي في كل الحالات ويؤذي الجميع دون استثناء ابتداء من المدخن نفسه إلى الشخص الجالس بجانبه إلى الطفل الجالس في الغرفة المجاورة. الخطوة ليست سهلة نعم... لكنها ستكون أفضل وأنجح خطوة تقوم بها في حياتك.