هل تغير "المزاج الرسمي" تجاه إسرائيل؟

 

في تصريح جريء، يتجاوز السياق الاقتصادي أو الوصفي، اعتبرت وزيرة السياحة، مها الخطيب، أن "السياحة الإسرائيلية عبءٌ علينا".

هذا "الموقف الرسمي" هو الأول من نوعه، على الأقل في مجال السياحة، على الرغم من تكرار الخبراء والعاملين في حقل السياحة شكواهم طيلة السنوات السابقة باستمرار من السياح الإسرائيليين وتصرفاتهم التي تقفز على الاعتبارات الأخلاقية المعروفة بين الدول.

اضافة اعلان

للتذكير فقد كتب الزميل د. باسم الطويسي، وهو أحد أبرز المثقفين المعنيين بالجنوب، مراراً وتكراراً، عن تلك التصرفات الإسرائيلية، وعن عدم الجدوى الاقتصادية من السياحة الإسرائيلية. بل وتحدّث عن تزوير إسرائيل للجغرافيا السياحية، بوضع البتراء ومناطق أردنية ضمن أجندة زيارة أولئك السياح إلى إسرائيل.

مؤشر البوصلة، في دلالات تصريح الخطيب، يذهب بصورة أوضح نحو تحوّل في المزاج السياسي الرسمي بأسره تجاه العلاقة مع إسرائيل، بعد أربعة عشر عاماً من اتفاقية السلام.

يمكن التقاط التحول الرسمي من خلال مؤشرات عديدة، ليس أقلها فتور العلاقات والزيارات الرسمية المتبادلة بين الطرفين، خلال المرحلة الأخيرة. بل أيضاً في رصد جملة من المقالات التي صدرت بالتزامن في الذكرى السنوية لاتفاقية السلام، قبل أيام قليلة، ولعلّ بعض هذه المقالات حمل "رسائل مشفّرة" مزدوجة عن خيبة أمل المسؤولين الأردنيين من إسرائيل ومن معاهدة السلام.

المفارقة الملفتة أنّ اتفاقية السلام ألقت بحمولة ثقيلة وعبء سياسي وأمني كبير، خلال السنوات السابقة، على المعادلة السياسية الداخلية الأردنية نفسها. ودفعت في أوقات متعددة إلى صدام سياسي، تخلله مواجهات أمنية بين الحكومات المتعاقبة وبين المعارضة السياسية الكبيرة ضد المعاهدة.

بل يمكن التقاط تراجع المسار الديمقراطي وتصاعد الخط البياني للجماعات الراديكالية الإسلامية منذ توقيع المعاهدة. فضلاً عن الاتهامات الهائلة في أوساط سياسية وإعلامية محلية وعربية للأردن بتجاهل العدوان الدائم وإقامة "سلام حميم" مع إسرائيل.

فوق هذا شكّلت قضية التطبيع "أزمة كامنة"، ومتحركة في أحيان أخرى، بين الحكومات والمعارضة، وتحديداً النقابات المهنية وتحولت إلى مواجهة سياسية عاصفة في بعض المراحل.

باختصار؛ شكّلت اتقاقية السلام سبباً فاعلاً ومؤثراً في تحريك العواصف الداخلية والتأثير على المعادلة السياسية في البلاد. ليس فقط على صعيد الحريات العامة، بل حتى على شعبية الحكومات ذاتها وعلاقتها بالشارع الذي بقي محصّناً بصورة كبيرة من الاختراق السياسي والثقافي.

ما الذي حدث، إذن، حتى نلمس هذا "التحول الصامت" في المزاج الرسمي؟

في ظني أنّ المسألة لا تدخل في سياق "المراجعة الجذرية" لمعاهدة السلام أو ندم بأثر رجعي عليها. بل ربما لا يزال المسؤولون يشعرون أنّ المعاهدة كانت ضرورية في مرحلة معينة لاعتبارات إقليمية حيوية ومفصلية.

لكن الفترة الأخيرة، تحديداً، شهدت تطورات مهمة عزّزت خيبة المسؤولين الأردنيين من المعاهدة والعلاقة مع إسرائيل.

فقد تلاشت آمال السلام، التي كان يعول عليها الأردن كثيراً في نهاية عهد بوش، وصدرت نوايا واضحة من الحكومة الإسرائيلية باتجاه تعزيز الانقسام الفلسطيني الجغرافي- السياسي، والهروب من استحقاق إقامة الدولة الفلسطينية.

تكرّس القلق الرسمي الأردني بعد توقيع إسرائيل "اتفاقية هدنة" مع حركة حماس، وتبادل الأسرى مع حزب الله. وهي خطوات فضلاً عن أنّها مثّلت انتصاراً للخط العربي الآخر، واحرجت الحكومات العربية الأخرى، فإنّها حملت إرباكاً أكبر للحكومة الأردنية أمام الشارع.

فالمقارنة كانت صعبة بين النصر المعنوي الذي حققه حزب الله في موضوع الأسرى، مقابل حالة الأسرى الأردنيين الأربعة الذين أصبحوا مدار "أزمة سياسية" داخلية وسجال إعلامي أضعف صورة الحكومة وموقفها أمام الشارع والرأي العام المحلي والعربي.

الخطر الأكبر في المواقف الإسرائيلية اليوم أنّها تشكِّل تهديداً حقيقياً للأمن الوطني الأردني، بخاصة مع ارتفاع الأصوات الإسرائيلية المنادية بالحلول الإقليمية. ولعلّ أخطر تلك الإشارات تتمثل بالكتاب الصادر حديثاً عن السياسي الإسرائيلي المعروف، غيورا إيلاند، "إعادة التفكير في خيار الدولتين" (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى)، ويدعو فيه صراحة إلى "الحل الأردني" في الضفة الغربية.

الرد الأردني، على المواقف الإسرائيلية والمتغيرات الإقليمية، في سياق حماية الأمن الوطني والتعامل مع التهديدات الجديدة، تمثّل باستدارات سياسية تكتيكية، داخلياً وخارجياً. يأتي في مقدمة ذلك استعادة زخم الحوار مع حركة حماس ونزع فتيل الأزمة الأخيرة معها، والانفتاح على الحركة الإسلامية في الداخل، وهي القوة الشعبية الأكبر ورأس الحربة ضد العلاقة مع إسرائيل.

هذا لا يعني "إعدام اتفاقية السلام" لدى المسؤولين الأردنيين، لكن السياق الحالي للعلاقات يسير بالضرورة نحو الجمود والتجميد، إلى أن تتكشَّف أجندة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه العملية السلمية.

نجحت مها الخطيب، بتصريحها المقتضب الذكي، في "استنطاق" الغضب الرسمي الصامت تجاه إسرائيل.

[email protected]