هل تهدر الحكومة أموال دافعي الضرائب؟

يوسف محمد ضمرة

عمان- في وقت سابق، قدر وزير المالية الدكتور أمية طوقان حجم الهدر في الإنفاق الحكومي بنحو 15-20 %، مما يكفي لتغطية العجز الوارد في الموازنة المركزية، ويذهب الفائض منه لسداد جزء من عجز موازنات الوحدات الحكومية لسنة 2014.اضافة اعلان
ولعكس تصريحات طوقان على أرقام الموازنة المركزية والتي قدرت بنحو 8.06 مليار دينار، نجد أن حجم الهدر يقارب 1.6 مليار دينار، فيما قدر عجز الموازنة بنحو 1.1 مليار دينار ليصل الفائض نصف مليار دينار.
أما بالنسة لموازنات الوحدات الحكومية التي يقارب العجز بها 1.1 مليار دينار جلها من شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه، فنجد بأن ايقاف الهدر في الموازنة المركزية سيجعل من تحويل الفائض المتوفر فيها يقلص عجز الوحدات الحكومية لنحو 600 مليون دينار.
وفي حال انسحب الهدر على موازنات الوحدات الحكومية يكون الأردن قد بدأ مرحلة الاعتماد على الذات دون الحاجة لأي اقتراض وبالتالي توقف النهج الصعودي للمديونية العامة.
وعلى الرغم من تمجيد الوزارات ودائرة الموازنة العامة ببدء تطبيق الموازنة الموجهة بالنتائج، إلا أن مخرجات تلك الموازنات لم تسهم بتخفيض حجم الموازنة بل ارتفعت وازداد العجز في تلك الموازنات جراء التوسع بالإنفاق وخصوصا الجاري منه، رغم قلة انتاجيته.
موازنة أكثر واقعية لوقف الهدر
وأكد خبراء اقتصاديون انه يمكن الحد من الهدر في النفقات العامة من خلال اعداد موازنات أكثر واقعية ومراقبة الإنفاق.
وذكر هؤلاء انه من الأفضل الاستغناء عن الفائض الهائل من الموظفين غير المنتجين، وانه يجب تقليص المصاريف العالية للحكومة، وهذا من شأنه ان يقلل من الهدر.
وقال الخبير الاقتصادي مفلح عقل، إن الذي يحدد ان كان هناك هدر في النفقات العامة ام لا هو من يعد الموازنة ومن يكون لديه معلومة عن الإنفاق.
واشار الى ان هناك انتقادا على تخصيص الإنفاق، حيث يجب ان يوجه الإنفاق الى الحالات التي تؤدي الى تخفيف البطالة وزيادة معدلات النمو.
وبين عقل انه إن كانت نسبة الهدر من 10 الى 20 %، حيث تكون هناك مشكلة في التحصيل والرقابة وقياس فاعلية الإنفاق وعدم كفاءة التحصيل.
وذكر عقل اوجه الهدر حيث تكمن في اساءة استعمال الاموال اذ انها تحدد لغاية وتنفق لغاية أخرى، وعدم كفاءة التحصيل، وان التكاليف للعملية الواحدة تزيد على الحدود المعقولة.
واوضح انه يمكن السيطرة على الهدر من خلال اعداد موازنات أكثر واقعية ومراقبة على الإنفاق وطرق الإنفاق، اذ يجب ان تكون هناك اولويات للمشاريع التي تعود بشكل افضل على الاقتصاد وفرص العمل.
واشار عقل الى السبل التي يمكن اتباعها لمنع الهدر منها فرض رقابة على الإنفاق، والتأكيد على ان الإنفاق يوجه للغايات الاكثر مردودية للاقتصاد من حيث النمو، والكفاءة في تحصيل الاموال الحكومية، وان تبنى الموازنة على أسس مستقلة عن العام السابق.
من جهته قال الخبير الاقتصادي غسان معمر، ان الشفافية على المستوى الرسمي ضعيفة، مما ادى الى الهدر في النفقات العامة، وسوء الادارة للموارد العامة للدولة.
وبين معمر ان المشاهدات العامة لمؤسسات القطاع العام تنطق بذاتها أن هناك حالة من حالات الهدر، على مستوى فقدان الكفاءة في ادارة موارد القطاع العام، واضعاف قدرة القطاع العام عن طريق عدم منحه للأدوات والامكانات التي تمكنه من القيام بنشاطاته على الوجه المطلوب.
وذكر معمر أوجه الهدر من خلال سوء التنسيق بين وزارة الأشغال والبلديات ووزارة الطاقة ووزارة المياه، وان الخدمات الحكومية المقدمة من القطاع العام الى القطاع الخاص 70 % منها يمكن الاستغناء عنه، مضيفا ان الفوائض الهائلة من الموظفين العاملين في القطاع العام والبلديات العديد منهم غير منتج.
وأشار الى الاستغناء عن الفائض الهائل من الموظفين عن طريق تأسيس مشاريع اقتصادية حقيقية في المملكة مثل المشاريع الصناعية بالدرجة الاولى والمشاريع الزراعية والسياحية، حتى تستطيع التغلب على هذا الفائض الهائل من الايدي العاملة غير المنتجة والمحسوبة على القطاع العام.
ومن جهته قال خبير اقتصادي آخر عبد خرابشة، ان هناك اوجها لإنفاق الموازنة العامة يذهب جزء منها الى النفقات الجارية المتمثلة في رواتب الموظفين والمتقاعدين وهذه تشكل نسبة كبيرة للموازنة العامة للدول.
وبين ان هذه المبالغ منضبطة لانه يوجد مؤسسات تراقبها، وبالتالي حتى لو تبين ان هناك اي خطأ يتم اعادته للمالية العامة فيما يتعلق برواتب الموظفين والمتقاعدين.
وأوضح خرابشة اوجه الهدر، حيث انه يمكن ان يكون هناك شراء بعض اللوازم في الدوائر أكثر من حاجتها، وعدم تنفيذ المشاريع بطريقة صحيحة ضمن المواصفات، وعدم تحقيق الهدف من الإنفاق، تلك امور تؤدي الى الهدر في الموازنة العامة.
واشار الى ان هناك رقابة من جهات مختلفة لمتابعة هذه القضايا ومحاولة تخفيضها لأدنى حد ممكن.
وذكر خرابشة سبل منع الهدر في الموازنة العامة، من خلال تقييم ما تم انجازه في العام الماضي ومدى الهدر الذي تم في العام الماضي لكي يكون درسا يستفاد منه في دراسة المخصصات لهذا العام، والتدريب للموظفين بشكل دوري ورئيسي، وتعزيز وحدات الرقابة الداخلية، وتطبيق الانظمة والقوانين بمنتهى الصرامة لكل مرتكبي الفساد.
وقال الخبير المالي عامر المعشر ان الفساد الاداري والمالي في المؤسسات والادارات يؤدي الى الهدر في الاموال العامة.
وبين المعشر ان الهدر خف خلال السنتين الماضيتين، وأصبح هناك ضبط للنفقات بسبب الظروف الاقتصادية والقرارات التي صدرت عن رئاسة الوزراء والتحديد لبعض النفقات هذه امور خفضت من الهدر.
وأشار الى انه يجب ان يكون هناك ضبط أكبر لتخفيف نسبة أكبر من هذا الهدر.
في حين قال الخبير الاقتصادي هاني الخليلي، ان معالي وزير المالية هو المرجعية الاكبر لتحديد نسبة الهدر في النفقات العامة، وبالتالي طالما قال معاليه ان نسبة الهدر تصل الى 10 – 30 % فإن هناك هدرا بالتأكيد.
وبين الخليلي ان هناك ترهلا اداريا في جميع الجهاز الحكومي والمصاريف العالية للحكومة والمواضيع التي تندرج تحت الإنفاق الحكومي كبيرة جدا، حيث يجب تقليص المصاريف بشكل عام.
واشار الخليلي الى اوجه الهدر مبينا ان الجهاز الحكومي مترهل، اذ ان هناك زيادة في عدد الموظفين، وأن وجود موظف مؤهل يكفي، ومصاريف السفر للجهاز الحكومي عالية.
واوضح انه يمكن منع الهدر في الموازنة العامة من خلال النظر الى الامور الاجتماعية حيث إن الامن الاجتماعي مهم جدا، وتحويل الموظف من قطاع خدمي الى منتج عن طريق تدريبه على مهنة من المهن الحكومية المنتجة بدل الخدمية، والتدقيق بمصاريف السفر للجهاز الحكومي حيث تشكل المصاريف عبئا كبيرا، وتقليل مصاريف المؤتمرات والاحتفالات الحكومية.
هل تريد الحكومة الاصلاح المالي؟
في العام 2006، وافق مجلس الوزراء على السير بإجراءات طرح عطاء مشروع إدارة المعلومات المالية الحكومية، وكذلك وافق المجلس على تشكيل لجنة توجيهية، ولجنة عطاءات خاصة، ومكتب لإدارة المشروع، وتم رصد المخصصات اللازمة في الموازنة العامة بقيمة تقارب 19 مليون دينار من اموال دافعي الضرائب.
وبحسب موقع مشروع إدارة المعلومات المالية الحكومية، فقالت وزارة المالية عن هذا المشروع وتعريفها له بأنه "جاء للارتقاء بآليات التعامل مع المال العام، ورفع مستوى الخدمات المقدمة للوزارات والدوائر الحكومية في الأردن، فقد تمت الموافقة على تطبيق نظام إدارة المعلومات المالية الحكومية (GFMIS)، بناء على توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تقريرهما المشترك في (آذار/2004) عن الإدارة المالية في الأردن ضرورة قيام وزارة المالية بتطبيق نظام (GFMIS)، لما له أثر وأهمية في الحصول على معلومات دقيقة وشاملة وفي الوقت المناسب".
ويعد هذا المشروع من المشاريع المهمة لتنفيذ الرقابة على اعداد وتنفيذ الموازنة العامة وموازنات الوحدات الحكومية، وتحقيق الأهداف المرجوة من الموازنة الموجهة بالنتائج والتي ترمي الى تحسين الإنفاق العام.
إلا أن المفاجأة كانت بظهور تقييم من قبل الوكالة الاميركية للانماء الدولي أواخر العام 2013، حمل بشدة على الحكومة الأردنية وضعفها في تحقيق تقدم بذلك المشروع، وانها غير قادرة على تحقيق تقدم ملموس بمشروع الاصلاح المالي، لاسيما ان مشروع إدارة المعلومات المالية الحكومية قد تأخر نحو 3 سنوات عن المخطط لبدء العمل به.
كما خلص التقييم من قبل الوكالة الاميركية بأن نسبة الانجاز في مشروع إدارة المعلومات المالية الحكومية لم يتجاوز 57 %، حيث ما يزال يعمل 45 من 79 دائرة حكومية.
غير أن تقريرا آخر تتبع مشروع الاصلاح المالي في الأردن وسير برنامج مشروع إدارة المعلومات المالية الحكومية، الذي يعد مكونا رئيسيا في تحقيق الاصلاح المالي بالمملكة.
وتعد ظاهرة العجز في الموازنة العامة للمملكة سمة للمالية العامة في كل سنة مالية، حتى اتسع العجز وتحول الى ارقام تقدر بالمليارات.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة مفادها نقص في الايرادات مقارنة بنفقات الدولة، وهو ما يطلق عليه العجز سواء كانت داخلية مردها لأمور داخلية أم خارجية، وقد ازدادت فجوة العجز منذ 2011.
 أسباب عجز الموازنة في الأردن
خلال الثلاثة أعوام الماضية، كانت الأسباب الخارجية أكثر وقعا على المالية العامة في المملكة مما تسبب في زيادة النفقات العامة والتي تمثلت ببدء الربيع العربي في نهاية 2010، حيث ازدادت حالة عدم اليقين لدى جمهور المستثمرين وتباطأ النمو الاقتصادي حتى بات يحوم دون 3 %، وهي معدلات غير كافية لتوليد الوظائف الى جانب تحسين مستويات معيشية المواطنين.
 إلى جانب ذلك، كبدت الأوضاع السياسية في المنطقة عموما ومصر خصوصا انقطاع امدادات الغاز المصري، حيث تحولت محطات توليد الكهرباء بالمملكة للعمل على السولار وزيت الوقود مما كبد شركة الكهرباء الوطنية خسائر قدرتها الحكومة بنحو 5 ملايين دولار يوميا.
ومع دخول الثورة السورية عامها الثالث أصبح اللاجئون السوريون يقتربون من 20 % من سكان المملكة، مما زاد الكلف على المالية وخصوصا قطاعي التعليم والصحة.
 ويضاف الى ماسبق من العوامل خارجية، ان الاقتصاد الوطني لم يتعاف بعد من آثار الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في ايلول (سبتمبر) 2008، والتي تجلت آثارها بضعف تدفق الاستثمارات وتأثيراتها على معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي توقف النهج الصعودي الذي اختطته ايرادات الدولة في سنوات ما قبل الأزمة المالية.
ويرى مراقبون أن بقاء العجز مرتفعا بهذا القدر له انعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني، وهذا يتطلب العمل بكافة الاتجاهات لتخفيضه من خلال حزمة من الإجراءات تتمثل ببذل الجهود مع الجانب المصري، لإعادة تشغيل خط الغاز بالكميات المتفق عليها بالإضافة الى بذل المساعي مع الدول الصديقة والشقيقة لزيادة المنح المقدمة للأردن لمواجهة الأعباء العديدة، والتي ترتبت نتيجة الانعكاسات التي رافقت آثار الربيع العربي في بعض الدول العربية والدور الإنساني الذي يقوم به الأردن فيما يتعلق باللاجئين السوريين الذين أشارت التقديرات إلى أن كلفة ذلك تزيد على 5 مليارات دولار.
 ويشيرون الى أنه ينبغي بذل الجهود للحصول على قروض بفوائد ميسرة وضمانات دولية لباقي قروض الخزينة، على غرار شهادة الضمان التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا، والتي أسهمت في تخفيض فوائد الاقتراض، من خلال اليوروبوند بقيمة 1.250 مليار دولار، هذا كله الى جانب ضرورة مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية، بهدف تعزيز الإيرادات وتخفيض النفقات وتشجيع وتحفيز الاستثمار.
إجراءات حكومية
وفي ضوء تلك الأسباب التي أدت الى ارتفاع العجز في الموازنة العامة، أبرمت الحكومة في آب 2012 اتفاقية مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامج اصلاح اقتصادي وللحصول على مصداقية أمام المانحين الدوليين.
صندوق النقد الدولي يضم نحو 188 دولة وتلجأ له الدول طلبا للعون والمساعدة بعد ظهور مشاكل في المالية العامة، وبالتالي يكون تدخله بهدف معالجة اختلالات اقتصادية ومنح قروض.

[email protected]

yousef_damra@