هل تهزم النساء النظام الرجعي في بولندا؟

سوافمير سييراكافسكي*

وارسو ــ في الأشهر الأخيرة، اختبر القادة السياسيون المستبدون في الدولتين المتجاورتين بولندا وبيلاروسيا حدود تسامح جماهير الناس. في كل من البلدين، استفز القادة مظاهرات حاشدة. وفي الحالتين، كانت النساء في الصفوف الأمامية للمعارضة الشعبية.
في انتخابات مزورة جرت في التاسع من آب (أغسطس)، أعطى الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو نفسه 80 % من الأصوات في حين أن نسبة
55 % كانت لتكفيه. وقد تابع البولنديون الأحداث في بيلاروسيا عن كثب وبإعجاب، يحدوهم الأمل في تنظيم معارضة حاشدة مماثلة لحكومة حزب القانون والعدالة المستبدة على نحو متزايد.
ثم في الثاني والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، مع ارتفاع معدلات الإصابة بمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) بشكل كبير، تحدى حاكم بولندا بحكم الأمر الواقع، زعيم حزب القانون والعدالة ياروسواف كاتشينسكي، المواطنين البولنديين للنزول إلى الشوارع. وبعد أن عمل على تعبئة المحكمة الدستورية بقضاة من خدم وأتباع حزب القانون والعدالة، أمر كاتشينسكي المحكمة بإصدار حكم يقضي بحظر الإجهاض.
على مدار السنوات السبع والعشرين الأخيرة، كان قانون الإجهاض الـمُـقَـيِّـد بالفعل في بولندا يسمح لأي امرأة بإنهاء حملها فقط في حال تعرض حياتها للخطر، أو إذا كان الحمل ناتجا عن سفاح القربى أو الاغتصاب، أو كان الجنين متضررا. لكن الحكم الصادر مؤخرا يزيل الاستثناء الأخير، بمعنى أن النساء سيجبرن على إنجاب أطفال فرص بقائهم على قيد الحياة ضئيلة أو معدومة.
الواقع أن الاحتجاجات الجماهيرية التي أعقبت ذلك ــ والتي حدثت في كل من المدن الكبرى والبلدات والقرى الصغيرة ــ ليست كمثل أي شيء شوهد في بولندا منذ وصل حزب القانون والعدالة إلى السلطة في عام 2015. فقد شارك نحو 100 ألف شخص في مسيرة في شوارع وارسو، وأكثر من 500 ألف شخص على الصعيد الوطني. وكما كان الحال في بيلاروسيا، كان الدور القيادي للنساء.
هذا ليس من قبيل المصادفة. ففي بولندا، أنشأ المنظمون مجلسا استشاريا ــ في إشارة مباشرة إلى المجلس التنسيقي للمعارضة البيلاروسية ــ وتبادلت القيادات النسائية الاحتجاجية الاستراتيجيات مع نظرائهن عبر الحدود. الدرس المستفاد من بيلاروسيا هو أن العمل المنظم المنتظم شديد الأهمية، وعلى هذا فقد التزم البولنديون بسد وتعطيل المرور عند التقاطعات الرئيسية في مختلف أنحاء البلاد كل يوم اثنين.
أظهرت تجربة بيلاروسيا أيضا أن الناس يقبلون على المخاطرة بصحتهم للاحتجاج على الاستيلاء على السلطة من قبل حكام مستبدين، وخاصة في ضوء فشل السلطات في إدارة أزمة كوفيد- 19، والذي يشكل مصدرا رئيسيا آخر للاستياء الشعبي. أصبح معدل الإصابة بعدوى المرض الآن في بولندا بين الأعلى في العالم، مما يشير إلى أن توقيت قرار كاتشينسكي بفرض تغيير مثير للجدال إلى حد كبير ربما كان المقصود منه تشتيت الانتباه عن إخفاقات حكومة القانون والعدالة في ما يرتبط بالتعامل مع الجائحة.
في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في بولندا، فاز حزب الكونفدرالية القومي المتطرف بأحد عشر مقعدا في مجلس النواب. ويعتبر كاتشينسكي هذا هزيمة شخصية، لأنه كان يسعى دائما إلى أن يكون في أقصى اليمين في البرلمان البولندي. تتنامى قوة حزب الكونفدرالية، الذي يحشد الفصيل اليميني داخل معسكر كاتشينسكي والذي يرتبط بوزير العدل زبيجنيو زيوبرو. وفي غياب نواب زيوبرو الثمانية عشرة، يخسر كاتشينسكي الأغلبية البرلمانية.
علاوة على ذلك، يتنافس زيوبرو مباشرة مع رئيس الوزراء ماتيوز مورافيتسكي لكي يجعل من نفسه خلفا لكاتشينسكي في نهاية المطاف. عندما خرج كاتشينسكي من الخطوط الجانبية ليشغل منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة الحالية في أيلول (سبتمبر) الماضي، كان ذلك حتى يتمكن من مراقبة زيوبرو، الذي يأمل في التصالح مع مورافيتسكي. وعلى هذا، ينبغي لنا أن نفهم تحولات كاتشينسكي الإيديولوجية الحادة على أنها جزء من محاولة أوسع لاستعادة السيطرة على أقصى اليمين.
في خطاب خاص ردا على الاحتجاجات، دعا كاتشينسكي أعضاء حزب القانون والعدالة إلى محاربة أولئك الذين يدافعون عن حقوق المرأة. فصرح قائلا: “يتعين علينا بشكل خاص أن ندافع عن الكنائس البولندية…
“يتعين علينا أن ندافع عنها بأي ثمن. وأنا أدعو جميع أعضاء حزب القانون والعدالة وكل من يدعمنا إلى المشاركة في الدفاع عن الكنيسة… الآن حان الوقت حيث يتعين علينا أن نرفض بقوة كل ما قد يدمرنا. إن كل شيء يتوقف علينا. كل شيء يعتمد على الدولة وأجهزتها، لكنه يتوقف في المقام الأول علينا نحن، على عزيمتنا، وشجاعتنا. دعونا ندافع عن بولندا”.
الآن، تقوم المنظمات اليمينية المتطرفة، التي تأخذ إشاراتها من كاتشينسكي، بتنظيم ميليشيات لمهاجمة النساء أثناء المظاهرات. بعد أن قام قاطع طريق يحمل سجلا إجراميا طويلا بمهاجمة صحفي من صحيفة “جازيتا ويبورجا”، تدخل زيوبرو لمنع مكتب المدعي العام المحلي من إلقاء القبض على المعتدي. لكن الاتهامات وجهت إلى فتاة عمرها 14 عاما ألقي القبض عليها أثناء الاحتجاجات. وكما أوضح نائب وزير العدل ميكاي ووي، فإن السلطات تهدد بالمنظمين بشكل مباشر: “تلقى مدعو العموم توجيهات تقضي بالتعامل مع كل المنظمين للمظاهرات غير القانونية على أنهم مجرمون، وسوف توجه الاتهامات المناسبة إليهم، والتي تستوجب عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثماني سنوت”.
لقد تعلم كلا الجانبين من تجربة بيلاروسيا. فقد نشرت الحكومة البولندية مئات من أفراد الشرطة والقوات المسلحة للتصدي للنساء المحتجات أمام منزل كاتشينسكي بقنابل الغاز المسيل للدموع. لكن ليس كل الأفراد النظاميين على استعداد لمعاملة المتظاهرين بوحشية. على سبيل المثال، هدد المفتش العام للشرطة ياروسواف شيمتشاك بالاستقالة. ومؤخرا، حَـذَّر 210 جنرالا متقاعدا من القوات المسلحة والشرطة وأجهزة أمنية، في رسالة مفتوحة، من أن قرار الإجهاض “تسبب في معارضة عامة واحتجاجات شوارع حاشدة. ولن يؤدي المزيد من التصعيد والتحريض والسلوك غير المسؤول من قِـبَـل الساسة إلا إلى عواقب مأساوية لا يمكن إصلاحها”.
في ظل الموقف الحالي، يبدو أن كاتشينسكي ارتكب خطأ فادحا. في استطلاع حديث للرأي، قال 73 % من المستجيبين إنهم ضد حكم المحكمة (بما في ذلك 60 % عارضوا الحكم بشدة). وحتى قاعدة حزب القانون والعدالة منقسمة، حيث يؤيد الحكم
%37 في حين يعارضه 36 %. ونتيجة لهذا، سجل دعم حزب القانون والعدالة في عموم الأمر انخفاضا حادا للمرة الأولى منذ وصوله إلى السلطة. في استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة كانتار في الثامن والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، لم تتجاوز نسبة دعم الحزب 26 %، مقارنة بنحو 24 % لصالح التحالف المدني (تحالف بين حزب المنبر المدني والحزب الحديث). في مجمل الأمر، يحظى حزب القانون والعدالة وحلفاؤه بنصف الدعم الذي تحظى به أحزاب معارضة لحزب القانون والعدالة.
نتيجة لهذا، نجد قدرا متزايدا من خيبة الأمل إزاء كاتشينسكي داخل حزب القانون والعدالة. على الرغم من غياب أي زعيم بديل حتى الآن، ومع أن الانتخابات العامة المقررة التالية لا يحين موعدها قبل العام 2023، فإن الاقتتال الداخلي الذي يشهده المعسكر الحاكم قد يُـفضي في نهاية المطاف إلى إجراء تصويت مبكر، كما حدث مع حكومة حزب القانون والعدالة الأولى في العام 2007. مثله كمثل لوكاشينكو، من الواضح أن كاتشينسكي بالغ في تقدير أوراق اللعب في يده. وكما هي الحال في بيلاروسيا، كانت النساء أول من يضرب على تلك اليد.

اضافة اعلان

ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
*سوافمير سييراكافسكي مؤسِّس حركة “كريتيكا بوليتيكانا”، ومدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو، وكبير زملاء المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org