هل توقعت الدبلوماسية الأردنية نتيجة غير الفشل؟

كما كان متوقعا من قبل، لم تفض لقاءات عمان الاستكشافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى أي نتيجة. جولة أمس كانت الأخيرة، وتزامنت مع الموعد الذي حددته "الرباعية الدولية" لاستئناف المفاوضات. لكن مثل مواعيد كثيرة سابقة، يحل السادس والعشرون من كانون الثاني من دون أن يسجل أي تقدم في المفاوضات، بينما على الأرض تتقدم الجرافات الإسرائيلية كل يوم لابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، في مشاريع الاستيطان والتهويد.اضافة اعلان
الجانب الأردني كان يدرك منذ البداية أن فرص النجاح لمباحثات عريقات ومولخو محدودة إن لم تكن معدومة، لكن الأردن حاله من حال العرب، لا يملك غير القدرة على المحاولة.
غير أن المحاولة الأردنية هذه جاءت في ظروف إقليمية ودولية غير مواتية؛ فالولايات المتحدة تتجه للانكفاء على نفسها مع قرب استحقاق الانتخابات الرئاسية، وحكومة نتنياهو غير مستعدة للتفكير في تقديم أي تنازلات للعرب، أما على المستوى الدولي فإن الاهتمام يتركز على الملف الإيراني وتداعيات الأزمة السورية. وعلى الجانب العربي، لنعترف بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية في ظل الانشغال بثورات الربيع العربي وتحديات ما بعد الثورة، خاصة في مصر.
بمعنى آخر، عوامل الفشل كانت حاضرة منذ البداية ومعروفة للوسيط الأردني. ومع ذلك، أصرت الدبلوماسية الأردنية على استضافة اللقاءات لقناعتها بأن تعطيل المفاوضات يخدم الجانب الإسرائيلي فقط، ويوفر لحكومة نتنياهو الغطاء لمواصلة الاستيطان. لكن تجربة المفاوضات الطويلة أظهرت أن الاستيطان استمر في ظل المفاوضات أو في غيابها. وفي الحالتين، نجحت إسرائيل في تحقيق المكاسب على الأرض، وانتزاع التنازلات على طاولة المفاوضات.
هل كانت الدبلوماسية الأردنية تتوقع نتيجة غير الفشل لجولات عمان؟ لا أظن ذلك، فلدى "الخارجية" الأردنية من الخبرة في المفاوضات ما يؤهلها للوصول إلى هذا الاستنتاج بسهولة.
لكن الاعتقاد السائد أن الجانب الأردني كان بحاجة إلى هذه الورقة خلال زيارة الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، وذلك لتحقيق هدفين: الأول، تكريس دور الأردن كلاعب إقليمي قادر على ملء الفراغ جراء انشغال مصر بأوضاعها الداخلية؛ والثاني، التأكيد على أن القضية الفلسطينية أولوية بالنسبة للأردن والعرب عموما، وبدون حل عادل يعيد للفلسطينيين حقوقهم لن تشهد المنطقة أي استقرار.
الجانب الأميركي التقط الرسالة الأردنية، ولم يبخل في كيل المديح لدور الأردن على هذا الصعيد، رغم قناعته الأكيدة بأن المحاولة الأردنية سيكون مصيرها الفشل. وقبل زيارة الملك إلى واشنطن كان وفد الكونغرس الذي زار عمان أبلغ مسؤولين أردنيين التقاهم بأن إدارة أوباما لا تعول كثيرا على لقاءات عمان، لكنها مستعدة لممارسة الضغط على حكومة إسرائيل بعد الانتخابات الرئاسية في حال فوز أوباما بفترة رئاسية ثانية.
جولات عمان التفاوضية تؤكد من جديد أن عملية السلام، بشروطها وآلياتها وبنيتها المعهودة، أفلست تماما، وأن الاستمرار فيها لا يفرق كثيرا عن وقفها، فالنتائج متساوية في الحالتين.
وفي ضوء ذلك، لا معنى لاستمرار المحاولة الأردنية بعد أن استنفدت أغراضها. وربما يكون من المفيد في هذه المرحلة مساعدة الفلسطينيين على إنجاز المصالحة، واستضافة لقاءات تسهم في تحقيق هذا الهدف. حينها يمكن التفكير في مقاربة جديدة غير تلك التي شهدناها طوال عشرين سنة مضت.