هل حان الوقت ليتخلى أنان عن مهمته في سورية؟

مراقبو الأمم المتحدة في سورية - (أرشيفية)
مراقبو الأمم المتحدة في سورية - (أرشيفية)

ريتشارد غوان *
 (فورين بوليسي) 18/5/2012

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

اضافة اعلان

هل حان الوقت لكي يعلن كوفي أنان أن مهمته الرامية لحل الأزمة السورية قد فشلت؟ يطرح عدد متنامٍ من الدبلوماسيين الغربيين، في أحاديث خاصة، أنه يتوجب عليه ذلك. وكان مسؤولون أميركيون قد أعلنوا صراحة بأن خطة أنان للسلام "فشلت،" كما قال وزير الخارجية السعودي إن الثقة في جهود أنان "تتهاوى بشكل سريع". وحتى الآن، تستمر القوات الأمنية السورية في استهداف المنشقين، وتظل قوات الثوار نشطة، وثمة هجمات شنت على قوافل تابعة لمراقبي الأمم المتحدة -مما يعزز الأطروحة القائلة بأن على أنان الإقرار بفشل خطته.
وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد أوضح أنه يدرك أن مهمته على وشك الفشل. لكن من الصعب جداً بالنسبة له أن يلغي العملية كلها. وبينما استمرت وتيرة العنف في سورية سائرة وفق ما يصفه أنان بأنه مستويات "غير مقبولة،" فإن معدل الوفيات عموماً أصبح أقل قياساً مع ما كان عليه قبل "وقف إطلاق النار" الذي هندسه في نيسان (أبريل) الماضي. ولكن، وأياً كانت الجهة التي تهاجم مراقبي الأمم المتحدة، فإنها ربما تعد العدة لحرب واسعة النطاق، فيما يبدو أن القتال ليس متصاعداً مرة أخرى وحسب، لكنه يمتد أيضاً إلى لبنان.
وإذا أراد أنان التخلي عن مهمته الآن -مكرسا انسحاب القوات العسكرية التابعة للأمم المتحدة من سورية- فإنه من الممكن أن يخاطر بالسماح لحدوث المزيد من التصعيد. ويمثل هذا المنحى ورطة أخلاقية: هل من الأفضل للأمم المتحدة أن تشرف وتوفر غطاءً من الناحية الجدلية للعنف الراهن، أم أن عليها الانسحاب لتتيح بذلك المجال أمام شيء من المحتمل أن يكون أسوأ؟
من جهته، يبدي أنان الذي كان قد حُمل في السابق مسؤولية حالات فشل الأمم المتحدة في أحداث مثل سربرينيتشا ورواندا (والتي يستذكر بعضها الصقور الغربيون الذين لا يحبون دوره في سورية)، يبدي حساسية معمقة للهجمات التي تشن على أدائه الخاص، وكذلك على أداء الأمم المتحدة.
وكان أنان في التعامل مع صراعات أخرى مثل ذلك في دارفور وجمهورية الكونغو الديمقراطية، قد حاجج لصالح اللجوء إلى الصبر والمثابرة في وجه العنف المستمر. ومن الصعب بالنسبة له الانقلاب على تلك الفلسفة راهناً، كما أنه من غير المرجح أن يقر بالفشل بسرعة.
وحتى لو كان أنان يؤيد اتجاه التخلي عن مهمته، فإن التداعيات السياسية لذلك قد تكون هدامة. وستعمد روسيا التي كانت قد أقرت مهمته من أجل كسب فسحة تنفس لصالح حلفائها في دمشق إلى اتهامه بأنه تخلى عن مهمته مبكراً جداً. ومن الممكن أن يعمد الأعضاء الغربيون في مجلس الأمن إلى الدفع من أجل استصدار قرار جديد من الأمم المتحدة لفرض عقوبات جديدة على سورية. ومن المؤكد تقريباً أن تعمد روسيا والصين (اللتان اصدرتا بيانين ينطويان على الإخلاص لدعم أنان) إلى استخدام حق النقض "الفيتو" ضد الغرب للمرة الثالثة بخصوص سورية.
ويعني هذا نهاية دبلوماسية الأمم المتحدة حول سورية بعد مرور أكثر من عام على إقدام أعضاء مجلس الأمن أول الأمر على اقتراح مشروع يفرض عقوبات على دمشق. ومن الناحية النظرية، يستطيع الأمين العام للأمم المتحدة إيجاد بديل للسيد أنان، لكن بان كي مون تبنى خطاً أخلاقيا أكثر صلابة بكثير حول الصراع قياسا مع موقف أنان، لدرجة أن سورية اتهمته بالانحياز "المفرط".
ومن الصعب رؤيته وقد تمكن من إعادة إطلاق المباحثات بطريقة معقولة. كما أن من الصعب بنفس المقدار التفكير في أي وسيط دولي يتمتع بالمكانة الكافية والتأثير للبدء مع الأسد من حيث انتهى أنان.
وهكذا أصبح أنان عالقاً، فهو لا يستطيع المضي قدما بعمليته للسلام إلى أجل غير مسمى، كما أنه لا يستطيع الاستقالة منها تماماً. وإذا ما تدهورت الحالة السورية، فستكون لديه فرصة واحدة وحسب للهروب من هذا المستنقع. ففي أواخر تموز (يوليو) سيقرر مجلس الأمن ما إذا كان سيجدد تفويض مهمة المراقبة للأمم المتحدة. وكانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، قد أكدت أنها ستعترض على تمديد المهمة إذا لم تتحقق أي تحسينات على الأرض. ومن الناحية الفنية، يستطيع أنان الاستمرار في جهوده الدبلوماسية بعد مغادرة المراقبين وعودتهم إلى بلدانهم. لكن الفيتو الأميركي سيكون تصويتاً على الثقة، وهو ما لن ينجو منه أنان.
لكن هناك افتراضاً بأن أنان لا يريد أن تلحق به الإهانة. وهكذا، ومع أن خطته السلمية الأصيلة تتآكل، فإنه يحتاج إلى نوع ما من الخطة البديلة "ب" للتخفيف من المعاناة السورية ولإنقاذ سمعته على حد سواء. وهو لا يخجل من التصريح بذلك، حين قال لمجلس الأمن في بداية أيار (مايو) أنه سوف "يقفز" إلى أفكار جديدة.
إحدى خطط "ب" الممكنة –التي يمكن أن توضع لإرضاء المعلقين الغربيين- هي أن يلقي أنان بالحذر في الريح، ويعلن أنه لا يمكن إصلاح الحكومة السورية، ويدعو من ثم إلى تدخل دولي رئيسي. وثمة الكثير من الكلام عن منطقة حظر طيران، وإقامة مناطق آمنة وممرات إنسانية. لكن أنان وفريقه يدركان أن هذه الخطوات ليست عملية سياسياً أو تشغيلياً. وحتى لو لم تقدم روسيا والصين على المبادرة إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي تواجد عسكري مخول من الأمم المتحدة في سورية، فثمة القليل من الدليل على أن قوى الناتو تريد إرسال قواتها إلى هناك. وبينما قد يفكر المسؤولون الغربيون بأن الوقت قد حان ليعلن أنان فشله، فإنهم هم في الحقيقة لا يريدون منه أن يقول لهم ما الذي يترتب عليهم عمله نتيجة لذلك.
وثمة بديل ينطوي على مخاطرة أقل لدى أنان، يتمثل في قوله، على أساس التقارير التي يتلقاها من مراقبي الأمم المتحدة، إنه يعتقد بأن الوقت قد حان لوقفة استراتيجية في جهوده الدبلوماسية. وباستطاعته الطلب من مجلس الأمن الإبقاء على مهمة قوات حفظ السلام قائمة لتعقب العنف، ومن ثم لوضع سلسلة من الشروط التي يحتاج لأن يراها وقد لُبيت قبل أن يجدد دوره التوسطي. وسيستند بعض هذه الشروط إلى خطته السلمية الأولية، مثل التقليص الدائم للعنف والإفراج عن السجناء السياسيين.
لكن أنان يستطيع أيضاً أن يختبر حسن النوايا لدى بعض الداعمين الدوليين المتأرجحين من خلال الاستفسار عن علامات جوهرية للتقدم في الجهود الثنائية من جانب الولايات المتحدة وروسيا وآخرين لتمهيد الأرضية لمباحثات السلام. وإذا كان أنان يكافح، فلا يبدو أن هناك أحداً آخر قادراً على نزع فتيل احتمال حدوث انقلاب دبلوماسي أيضاً، كما كان قد ظهر من عدم قدرة جامعة الدول العربية مؤخراً على عقد اجتماع لمجموعات المعارضة السورية من أجل مؤتمر وحدة. وبإمكان أنان القول أيضاً إنه يظل راغباً في العمل كوسيط في المستقبل -لكن فقط في حال كان متأكداً من أن أعضاء مجلس الأمن الدولي والقوى الإقليمية يستطيعون خطب ود، أو إجبار عملائهم في سورية على المساومة.
 وقد تتيح الوقفة الاستراتيجية المجال أمام تغير بعض الحقائق على الأرض لما يصب في صالح أنان. ومثلاً، ثمة بعض الإشارات إلى أن قوات الثوار آخذة في استعادة الزخم في الأسابيع الأخيرة. وفي الأثناء، تستمر الاحتجاجات السلمية على قدم وساق بعد أن امتدت مؤخراً إلى مدينة حلب التي كانت هادئة سابقاً. وإذا قدر لهذه الاتجاهات أن تستمر، فقد يشرع النظام السوري في إعادة التفكير في موقفه من المباحثات (وتستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الاستمرار في جعل دمشق فاقدة التوازن عبر مبادرات مثل التمارين الحربية التي أجريت في الأردن قبل أيام)، وحتى مراقبي الأمم المتحدة الذين يشهر بهم كثيراً والذين انتشروا بشكل أسرع مما توقع خبراء حفظ السلام قبل شهر، قد يشكلون فارقاً إذا استطاعوا أن يتحولوا من رفع التقارير حول حوادث العنف إلى توجيه تحذيرات عامة من الهجمات السورية التالية.
وفي الأثناء، تظل الصعوبات التي تعترض سبيل نجاح مهمة أنان تطل برأسها. لكن، ولدى وضع الأمور في الميزان، تظل مخاطر تخليه عن مهمته مباشرة كبيرة جداً ولا يقوى على النهوض بها. ومن خلال الإعلان عن وقفة استراتيجية، فإنه يستطيع إظهار أنه غير راغب بأن يعامله النظام السوري كالأبله -والوقوف مستعداً لاغتنام افتتاح أفضل للتوسط لاحقاً.


*مدير مشارك لدبلوماسية الأزمات وعمليات السلام في مركز جامعة نيويورك للتعاون الدولي، وزميل سياسة رفيع في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Is it time for Kofi Annan to give up in Syria?