هل ذاكرتنا كالسمكة؟!!

غالبا، إن لم يكن دائما، تكون معالجتنا لمشاكلنا آنية وابنة لحظتها، ونادرا ما يجري متابعة المعالجات لأمد طويل، وغالبا يتم تناسي الأمور التي حدثت ونسيان تفاصيلها الدقيقة وسببها، فباتت ردود فعلنا لحظية لا استدامة لها، وبعد ذلك ننسى بسرعة ولا نتذكر تفاصيل الأحداث.اضافة اعلان
مثلا، عندما أقلق تنظيم القاعدة راحة الأردنيين، وفجر فنادق وسلب أفراح أناس آمنين مبتهجين، تعاضد الشعب الأردني بكل مكوناته مع الحدث، ومع الوطن ورسم الرسومات وأقمنا الشعارات، وتحدثنا في المؤتمرات والملتقيات عن أهمية محاربة هذا الفكر التكفيري بكل الوسائل المتاحة.
وعندما أعدم المرتدون الدواعش البطل معاذ الكساسبة، هبّ الأردن من أقصاه لأقصاه تنديدا بالجريمة، ورفضا لهذا الفكر المتطرف الذي يشوه الدين، ويرفض الآخر ويحرق الناس أحياء، ويسبي النساء، ويهتك أعراض البنات الآمنات، ويكفر من يريد!.
وقتذاك، كما أثناء تفجيرات عمان، أجمعنا على أهمية محاربة الدواعش، ومنعهم من التغلغل بأرجاء الوطن، ومقاومة تأثيرهم على عقول الجيل الناشئ، ووضع حد لأي فكر أصولي من شأنه وضع أرضية لمثل أولئك القتلة بيننا، وإعادة النظر بكل ما من شأنه المساهمة من قريب أو بعيد بتعزيز هذا الفكر الخارجي، ومقاومة كل من يحمله باعتباره يشكل خطرا على الوطن والشعب يفوق خطر أي عدوان خارجي، فأولئك ينخرون بالوطن من الداخل، وبقاؤهم يسرحون ويمرحون من شأنه تعميق الفجوة بين الناس وتشتيت البوصلة.
اليوم، وبعد سنين من حملة التعاضد التي حصلت، علينا أن نطرح السؤال على أنفسنا كدولة ومجتمع وحكومة ومؤسسات دينية، ماذا فعلنا حتى اليوم لمواجهة هذا الخطر التكفيري؟، وما هي الإنجازات التي تحققت؟، وهل فعلا قاومنا الفكر المتطرف والإقصائي والتحريضي والمذهبي؟ أم أننا تحمسنا بعد حادثة التفجيرات والحرق والقلعة ليوم أو يومين أو شهر أو شهرين، وبعد ذلك ذهب كل طرف لممارسة ما كان يمارسه قبل الأحداث، وكأن شيئا لم يكن، ونسينا ما جرى لنا من أولئك القتلة، وتناسينا خطر الدواعش على بنياننا الاجتماعي والثقافي.
السؤال، هل قامت الجهات المعنية بمراجعة واضحة وشاملة لسبب وجود أفكار متطرفة بيننا، وهل درسنا سبب تغلغل تلك الأفكار بالمجتمع؟!! ولماذا عادت نبرة الخطاب المذهبي والإقصائي والتكفيري ترتفع، وهل قامت الدولة بمراجعة مفصلة للمدارس الفكرية التي ينهل منها بعض رجال الدين والشيوخ وأئمة المساجد والمدرسين؟ وهل وضعنا خططا واضحة لمواجهة خطر مثل تلك المدارس التي كانت يوما ترسل القتلة لأفغانسان بـ"حجة الجهاد"، وأرسلت قتلة وإرهابيين وسفاكي دماء الى العراق وسورية بحجة محاربة النظام، فيما لم نلمح تلك المدارس الفكرية تتحدث عن احتلال فلسطين؟!.
لماذا لم تقم الدولة بكل أركانها بمراجعة عميقة لكل المدارس الفكرية وإزاحة المتطرفة منها عن عقول الناس، والوقوف على مدى انحراف بعضها وإيمان بعضها الآخر بالوسطية والاعتدال، وكشف ومواجهة كل مدرسة فكرية تتبنى من قريب أو بعيد تلميحا أو توضيحا أي فكر أصولي متطرف، وإبعاد مثل أولئك عن مدارسنا ومناهجنا ومساجدنا ومنابرنا وجامعاتنا.
لماذا لم نتقدم حتى اليوم بموضوع التسامح الديني والفكري، ولماذا لم نلمس حتى اليوم أي ترسيخ لمسألة احترام الرأي والرأي الآخر، وتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف، ولم نلمس بشكل جدي محاربة حقيقية لكل فكر يتحدث أو يتبنى المذهبية أو التطرف، ولم نلحظ ملاحقة لمن يؤيده أو ينشره أو يحاول تأصيله؟!.
علينا أن نستذكر أننا وعدنا بإجراء مراجعة عميقة للمدارس الفكرية الأصولية وللكتب أيضا، وتنقيح لكل العوالق التي ظهرت خلال الفترة الماضية، وتقديم رؤية متسامحة ومعتدلة ووسطية للدين. لا نريد أن تكون ردود فعلنا موسمية، ولا المراهنة على النسيان، فأولئك القتلة يتوجب الاستعداد الدائم لهم فكريا واجتماعيا وملاحظة من يؤيدهم ويدعمهم، فلا يعقل أن نتحدث عن محاربة أفكار ظلامية وفي الوقت عينه يظهر علينا من يدافع عمن يحملون تلك الأفكار، ونصمت عنه.