هل سينجو نظام التجارة العالمية من العام 2018؟

ترجمة: ينال أبو زينة

عمان- يواجه مستقبل نظام التجارة العالمي الخطر وعدم اليقين اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد تأسيسه في أعقاب الحرب العالمية الثانية.اضافة اعلان
ويعد هذا العام حاسماً بالنسبة للتجارة، بينما ستظهر النتائج جليةً في إعادة التفاوض بشأن مستقبل "اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية" (نافتا)، واتفاق التجارة الحرة الأميركي الكوري (كور- يو أس)، فضلاً عن الشراكة عبر الأطلسي التي تقودها اليابان في الوقت الراهن. أضف إلى ذلك مصير منظمة التجارة العالمية، ويمكن للعام 2018 أن يشهد اضطراباً في نظام التجارة العالمي، الذي يراه ترامب في كل وقت وحشاً لديه كافة الأسباب لتدمير اقتصاد الولايات المتحدة.
وتواجه التجارة العقبات الهيكلية والتحديات التي تفرضها سرعة ظهور التكنولوجيات الحديثة، وليس أقلها أيضاً النزعة الشعبوية المتطرفة التي ما تزال قائمة ومناهضة العولمة في الغرب.
وفي العام الماضي، إنتهى إجتماع وزراء منظمة التجارة العالمية في الأرجنتين بشكل غير حاسم في الثالث عشر من كانون الأول (ديسمبر). لكن أكبر الأوراق التي تؤثر في مستقبل التجارة هي عكس دونالد ترامب الحاد للدور التاريخي للولايات المتحدة.
وبوصفها ساعدت في تشكيل الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة، وسلف منظمة التجارة العالمية، ومن وضعت قواعد التجارة العالمية في العام 1948، فقد قادت الولايات المتحدة كل جولة من جولات التحرير التجاري. وبالنسبة إلى معظم العقود السبعة الماضية، نمت التجارة ضعف سرة نمو الاقتصاد العالمي. لكن هذه الحقبة قد إنتهت. فقد  تقلب ترامب منصبه الرئاسي ساخطاً على التجارة وجميع صفقاتها، والتي ألقى عليها لوم الضيق التي تعانيه الطبقة المتوسطة.
وعلى هذا الأساس فقد ندد باتفاق "نافتا" ورفض اتفاق "الشراكة عبر الأطلسي" و"منظمة التجارة العالمية" واتفاق "كور-يو أس". وانسحب فوراً من الشراكة عبر الأطلسي، الذي وصفها الخبراء في كثير من الأحيان بأنها أحد دعامات إستراتيجية الولايات المتحدة وآسيا، كما وفرض إعادة المفاوضات بشأن "نافتا" و"كور-يو أس".
ولنكون منصفين، لدى ترامب بعض الحق فيما قام به، بحيث يلقي الشعب الأميركي (خطأً) اللوم على التجارة عندما يعانون الكثير من المتاعب. وفي حين أن التجارة كان عاملاً كبيراً في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، فقد تسببت تكنولوجيا هذا القرن واللجوء إلى الأتمتة في الولايات المتحدة بخسائر كبيرة للوظائف. وعلاوة على ذلك، فإن تحديث إتفاقيات التجارة لمعالجة القواعد المتعلقة بالتكنولوجيات الجديدة مثل التجارة الإلكترونية والبيئة وغيرها من العوامل الأخرى، أمر منطقي معقول.
ولم تستكمل منظمة التجارة العالمية جولة جديدة من التحرير التجاري العالمي في عقدين –فلم لقيت جولة الدوحة حتفها في نهاية المطاف. ولدى ترامب الحق أيضاً في أن يقول أن قبول الصين في المنظمة استند إلى افتراضات ثبت زيفها (مثل الإصلاح المستمر للسوق والإنفتاح على سبيل المثال). ولم تتوقع الولايات المتحدة أن الصين ستغدو سريعاً القوة التجارية الأولى في العالم، وأن تتبنى السياسات تجارية واستثمارية قائمة على الجشع.
لكن نظرة ترامب الصفرية إلى التجارة تتحدى الاقتصاد، وعلى الرغم من أنه يدعو إلى تبادل تجاري حر وعادل، فإن قياسه الوحيد هو إذا ما كانت الولايات المتحدة تعاني عجوزات ثنائية أم لا.
وقد صممت الاتفاقيات التجارية لفتح أبواب الوصول إلى الأسواق أمام خدمات وسلع الشركاء التجاريين، وليس ضمان النتائج أو الفوائض أو العجوزات. وبهذا المقياس، تكون التجارة العادلة معياراً مستحيلاً. فأنا أعاني عجزاً مالياً مع تاجر السيارات، لكن لدي سيارة جديدة –تبادل عادل.
وتحدد مدخرات واستثمارات الدولة، سواء أكانت تستهلك أكثر مما تنتج، العجوزات بشتى أشكالها. وقد تخفض أي صفقة شراكة ثنائية تبرمها الولايات المتحدة العجز مع دولة أخرى، لكن العجز سيظهر في مكان آخر، ربما لدى شريك تجاري آخر للولايات المتحدة.
وكان خطاب ترامب الذي ألقاه على الرؤساء التنفيذيين للتعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في دا نانغ، فيتنام، أقرب إلى هجوم على نظام التجارة العالمي، بما في ذلك شجب منظمة التجارة العالمية بأنها غير عادلة (رغم أن الولايات المتحدة قدمت أكثر النزاعات في المنظمة وربحة أغلبيتها). ورفض الرئيس الأميركي أيضاً أن اتفاقيات متعددة الأطراف، موضحاً أن الولايات لا تفاوض إلا بشأن الاتفاقيات الثنائية.
ولا يتعدى مصطلح السيادة كونه إشارة إلى منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات متعددة الأطراف بشكل عام. لكن ترامب أعاق آلية تسوية المنازعات في المنظمة، وهي التي تشكل جوهرة تاج المنظمة بواقع الحال، من خلال منعه قاضيين عن أداء عملهما وعدم تعيين القضاة الأميركيين. وفي حين يسود شعور أن منظمة التجارة العالمية تحتاج إلى إصلاح، يشكو الأوروبيون أن الولايات المتحدة لم تقدم أي انتقادات بناءة أو حلول محددة.
وقالت المسؤولة التجارية الأعلى في الاتحاد الأوروبي، سيسيليا مالمستروم، في مقابلة أجريت معها أنها تخشى أن تخاطر الولايات المتحدة "بقتل منظمة التجارة العالمية من الداخل". لكن المسؤول التجاري الأعلى في الولايات المتحدة، روبارت لايتثيزر، أشاد بالتدابير الأخيرة التي اتخذتها المنظمة، موضحاً بأنها: "اللحظة التي سيتم فيها كسر الجمود في المنظمة"، مما يعني أن الولايات المتحدة تريد إصلاح، وليس إنهاء أعمال، منظمة التجارة العالمية. واضاف: "لقد اعترف العديد من الأعضاء بأن على المنظمة أن تسعى خلف بداية جديدة في المجالات الرئيسية، حتى لا توقف أفكار الأعضاء غير المستعدين للتغير تقدم هذه الخطوات".
ومع ذلك، تستعد إدارة ترامب للتصرف بشكل فردي، ومن المحتمل أن تفرض عقوبات تجارية على الصين وأخرى على انتهاكات الملكية الفكرية. ويغلب الظن أنها ستدخل حيز النفاذ في العام الجاري، بينما يمكن أن تشعل حرباً تجاريةً أيضاً.
وبالإضافة إلى ذلك، ربما يتقرر مصير "نافتا" قريباً. فقد طالب ترامب بأن تتم إعادة التفاوض بشأنها كل خمس سنوات، وبإنهاء آلية تسوية المنازعات الخاصة بها وتغيير القوانين الخاصة بمصنعي السيارات. وترى كل من المكسيك وكندا هذه التغييرات الثلاثة وأنها ستقتل الصفقة. بحيث لا تدعم أية شركة تصنيع سيارات كبرى تغييرات ترامب المقترحة، والتي من شأنها أن تعطل سلاسل التوريد العالمية. وبالمثل، تخشى سول أن يكون اتفاق "كور-يو أس" في خطر.
وإذا ما تقدم ترامب في العقوبات الفردية التجارية، يحتمل كثيراً أن تشتعل حرب تجارية –واحد سيكون فيها الرابحون قلة، والتي من شأنها أن تولد ذلك النوع من الحمائية الذي شوهد في الثلاثينات من القرن الماضي، ما سيؤدي إلى تآكل النظام المستند إلى القوانين الذي تزعمته الولايات المتحدة وفرضته لفترة طويلة.
ويمكن أن تجد الولايات المتحدة، التي تشكل 13 % من التجارة العالمية، نفسها معزولة في ظل هذه الظروف. وسوف تمضي بقية العالم قدماً، بحيث يضع الاتحاد الأوروبي اللمسات الأخيرة على مواثيق تجارية مع كندا واليابان، فيما يسعى خلف صفقات تجارية إضافية في المكسيك وحول العالم. ومن المرجح وضع الصيغة النهائية المنقحة لاتفاق "الشراك عبر الأطلسي 11" في العام الحالي.
وسوف يكون أثر الصافي من المفارقات في حال تصرف ترامب استناداً إلى وجهات نظره الجاهلة عمداً. بحيث يمكن ألا تصبح الولايات المتحدة طرفاً في ترتيبات تحرير التجارة الجديدة، بينما قد يخسر المصدرون الأميركيون العديد من الفرص السوقية.