هل غرقنا في التفاصيل الإصلاحية؟

نتابع تداولات لجان الحوار واجتماعاتها وخلواتها بشيء من التفاؤل الحذر. فاحتمال أن يكون المنتج الإصلاحي لهذه اللجان متواضعا، وربما لا يرقى لمستوى التوقعات المرتفعة للمجتمع الأردني، وارد جدا، خاصة أن لدينا تقليدا في الأردن عمد تاريخيا إلى إنهاء القضايا وتبديد التوقعات عن طريق العهد بها إلى اللجان التي نادرا ما تكون فعالة ومنتجة. اضافة اعلان
مقياس التفاؤل بشأن المنتج الإصلاحي المؤمل يتأرجح بشكل مطرد هذه الأيام، ويتأثر بأي تصريح أو حدث سياسي، لدرجة أن البعض رأى في محاضرة رئيس الوزراء معروف البخيت الأخيرة في نادي الملك الحسين انحرافا عن الأولويات الداخلية الملحة في هذه المرحلة.
المتغير الأكثر تأثيرا على المزاج السياسي العام، والذي رفع منسوب عدم التفاؤل بشأن ملف الإصلاح، هو مستوى التعقيد والغرق في التفصيلات الذي بدأ يعتري عمل لجان الحوار الوطني، ما بدا بسببه أن التوصل لإجماع أو حتى شبه إجماع بشأن تفصيلات قانون الانتخاب ونظامه بات أمرا مستحيلا. فاللجان تنظر إلى مقترحات مختلفة ومتناقضة أحيانا، فهي ما تزال تناقش أطروحات جديدة رغم أنه من المفترض أن تكون في أيام عملها الأخيرة. والتوقعات الآن أن اللجان التحاورية لن تتمكن أبدا من أن تُجمع على توصيات محددة بشأن نظام الانتخاب، بسبب إفراطها في الإغراق في التفاصيل التي لا تنتهي، ولأن كثيرا من أعضاء اللجنة هم من غير المختصين أو العارفين بهذه الفنّيات.
الأجدى للجان الحوار أن تكتفي بتقديم توصيات سياسية وقانونية محددة ما أمكن، وأن تترك للفرق الفنية ترجمة ذلك إلى واقع ملموس وقابل للتطبيق، أما أن تغرق هي في التفاصيل فهذا ليس التوظيف الأمثل لوقت هذه اللجان وخبراتها، فالأصل فيها تمثيل قطاعات المجتمع ورؤيته، لا أن تكون خبيرة أنظمة انتخابية. الحكومة وفرقها الفنية هي المعنية والملزمة بترجمة المقترحات إلى تفاصيل فنية، ولا يجوز أن تقوم لجان سياسية بهذه المهمة.
الإجماعات الممكنة والمتوقعة تقترب إلى حد كبير من بعض ما رشح أنه قد تم التوافق عليه في اللجان، مثل زيادة مدة الدورة البرلمانية لمجالس النواب، والعهد بمهمة الطعن بالنيابة للمحاكم وليس لمجالس النواب، وإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات يكون أعضاؤها محصنين من خلال تعيينهم لفترة محددة بالقانون وليس بحسب رغبة الحكومات ومواقفها السياسية من عمل اللجنة. ويمكن التفكير بمقترحات أخرى قد تشكل نبراسا مهما للجان الفنية عندما تبدأ بصياغة القانون والنظام بشكله النهائي، مثل التنسيب بإدخال جزئي للقائمة النسبية، وأن يكون على مستوى المحافظة أو اللواء أو الوطن، وبما لا يزيد عدد أعضاء مجلس النواب على 30 % من عدده الحالي، أو زيادة "الكوتا" النسائية، أو عدم تغيير توزيع المقاعد واعتبار ذلك حقا مكتسبا (والذي سمعنا أيضا أنه تم الإجماع عليه).
التوصية بمثل هذه المقترحات وغيرها، وضمن هذه الدرجة من العمومية، هو ما يجب أن يكون عليه محور عمل لجان الحوار الوطني، أما أن تتحول للجان فنية تعكف على اجتراح أدق التفاصيل، وأن تكون مضطرة لـ"تثقيف وتعليم" بعض أعضائها بأبجديات القوانين الانتخابية وماهيتها، فهذا حرف لهذه اللجان عن مسارها.