هل فرضت "كورونا" شروطها بعالم الأعمال؟

منى أبوحمور

عمان- منذ بدء جائحة كورونا، تغير شكل العالم، وتغيرت مفاهيم عديدة امتدت لتشمل مختلف مجالات الحياة، وكان التأثير واضحا على قطاع الأعمال في مختلف الشركات والمؤسسات، وآلية الوظائف، وما يترتب على الموظف من تطوير في مهارات تكنولوجية معينة تمكنه من العمل عن بعد حينما تطلب الأمر ذلك.اضافة اعلان
ويبدو أن الجائحة التي أثرت على مناح عديدة، ألقت بظلالها على شروط التوظيف، وباتت القدرة على ممارسة العمل عن بعد بمهارات جديدة ومتطورة ومختلفة نوعا ما، من أهم الشروط في الوقت الحالي.
القدرة على العمل عن بعد شرط أضافته المؤسسات والشركات في إعلانات التوظيف مع انتشار جائحة كورونا، حتى أن بعض الشركات اشترطت أن يكون لدى المتقدم خبرة في العمل بمهارات محددة عن بعد.
استوقف العشرينية حلا محمد اشتراط إحدى المدارس الخاصة في عمان الخبرة في التعليم عن بعد في الإعلان الذي نشرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معلنة حاجة المدرسة لتعيين عدد من المعلمات الجدد في تخصصات مختلفة، الأمر الذي استدعى ذلك.
اشتراط العمل عن بعد لم يقتصر على إعلانات التوظيف المتعلقة بالمدارس فحسب والخبرات المطلوبة لذلك، بل احتوت معظم إعلانات الشركات والمؤسسات شرط الخبرة في العمل عن بعد ضمن شروط أساسية في التوظيف.
الأمين العام لديوان الخدمة المدنية بدرية البلبيسي أكدت أن ديوان الخدمة المدنية قام بتنظيم الوظيفة العامة خلال فترة كورونا، حيث تم العمل على إصدار دليل للعمل عن بعد وفيلم مصور توضيحي تم تعميمه على جميع الدوائر من خلال قنوات التواصل، اشتمل تعليمات العمل عن بعد ومتطلباته، وكيف يكون الموظف قادرا على العمل عن البعد وتأمين بيئة الكترونية تضمن نجاح العمل.
والدليل بحسب البلبيسي، إرشادات للموظف بقدرته على ايجاد بيئة عمل من خلال منزله مع الحفاظ على المساحة الشخصية والمحافظة على قنوات الاتصال مفتوحة مع العمل.
وتشير البلبيسي في تصريح خاص لـ"الغد" الى ان العمل المرن ساري المفعول في ديوان الخدمة المدنية منذ 2018، ولكن جاءت جائحة كورونا لتفعله 100 % وتم انتاج العديد من المخرجات من خلال العمل عن بعد، حيث أتيحت الفرصه للعمل النوعي.
الجائحة أحدثت تغير كبير على ادارة الموارد البشرية بشكل عام، وفق البلبيسي، الامر الذي يفرض مأسسة العمل عن بعد وتطبيقه ضمن رؤية استراتيجية ومحور استراتيجي واضح واستعداد رقمي للعمل عن بعد، واستثمار تكنولوجيا المعلومات الدائمة، واعادة تصنيف لكافة الوظائف ومعايير تقييم أداء الأشخاص وتأثيره على الأجور والرواتب، والمستحقات ضمن تشريعات، وليس فقط استجابه للأزمات.
ووفق مدير شؤون الموظفين في إحدى الشركات الخاصة خالد مهيار؛ فإن العالم ما بعد كورونا يتغير نحو العمل عن بعد واستثمار منصات التواصل الاجتماعي، وكل التطبيقات التكنولوجية التي تسهل من هذه العملية، ما يتطلب ضرورة أن يكون الموظفون الموجودون والجدد أيضا لهم الخبرة والقدرة على ذلك، ويشير مهيار إلى أن القدرة على العمل عن بعد ومهارات استخدام التكنولوجيا ومتابعة الأعمال عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل التقنية التي تعتمدها الشركة أو المؤسسة أمر في غاية الاهمية، لاسيما وأن عالم الأعمال كله بدأ في التغير في ظل تعرض العالم إلى أنواع مختلفة من الأوبئة بين الحين والآخر، وبالتالي الغير في طريقة التفكير والتعاطي مع الأزمات بما لا يؤثر سلبا على العمل.
ويرى أن من المنطقي أن تتعلم الشركات درسا من أزمة كورونا وأن تقوم بإعداد طاقم بشري قادر على العمل عن بعد والتكيف مع الأزمات والقدرة على الإنتاج في كافة الظروف.
الدراسة الاستقصائية التي أجراها موقع (Kariyer.net)، حول تأثير فيروس كورونا المستجد على بيئة الأعمال، وفرت بيانات مهمة حول مستقبل الحياة العملية، حيث أشارت إلى أن 70 بالمائة من الشركات المشاركة في البحث، مناسبة لنظام العمل عن بعد، حتى قبل ظهور وباء كورونا المستجد. في حين كشفت الدراسة الاستقصائية ذاتها أن 76 بالمائة من أصحاب العمل و80 بالمائة من الموظفين ليس لديهم المرونة الكافية للعمل عن بعد في شركاتهم".
الدراسة بينت أنه: "واستنادًا إلى هذه البيانات، يمكننا القول إن وباء كورونا المستجد مكّن الشركات من بدء تجربة نموذج العمل عن بُعد بشكل أسرع بكثير مما خططت له".
وأكدت أن أولئك الذين استثمروا في بنيتهم التحتية التكنولوجية قبل الوباء، استطاعوا التكيف مع متطلبات المرحلة بشكل أسرع وتحقيق ميزات كبيرة لشركاتهم، فضلًا عن تحول العديد من الشركات إلى نظام العمل عن بعد.
البروفيسور بندر أبوتايه خبير الموارد البشرية، لفت إلى أن العمل عن بعد كان من ضمن الخيارات المتاحة التي انتهجتها الشركات والمؤسسات على مستوى العالم منذ فترة من الوقت لمساعدة الناس الذين لديهم ظروف خاصة، دون اشتراط القدوم إلى العمل وكان موجودا في الدول الغربية والسبب التطور في التكنولوجيا فأصبح بالإمكان العمل من البيت من خلال تطبيقات ذكية استخدمتها الشركات من خلال الهاتف الذكي، والخروج العمل بنتائج جيدة.
ويقول إن "الشركات التي استخدمت خيار العمل عن بعد شركات الكبيرة وعندها استشراف للمستقبل"، حيث أصبح هذا النوع من العمل وفق أبوتايه أحد المتطلبات الأساسية للتقدم للأعمال واشتراط مهارات استخدام الحاسوب اصبحت ضرورة، إذ أصبحت الأعمال مرتبطة بشكل كبير بالتكنولوجيا.
الحاجة الماسة لذلك، تطلب أن تكون الشركة أو المؤسسة مهيأة للعمل عن بعد وان يكون لديها موقع رسمي وتطبيقات يمكن من خلالها العمل من دون أن تتعرض المعلومات للضياع.
طريقة التعامل مع التطبيقات الخاصة من العمل خيار مطروح وموجود وفق أبوتايه، وهناك الكثير من الشركات توفر العديد من الخدمات من دون اضطرار الحضور إلى المكاتب.
ويضيف "ربما يكون العالم قادم على مجموعة من الأوبئة الاخرى التي ستستدعي العمل من المنزل وربما إعادة فترات طويلة من الحجر".
ويشير أبوتايه إلى أن الشخص لديه امكانية باستغلال اكثر من مهارة لديه في الوقت نفسه، في حين أن ذلك على أرض الواقع يقوم به اكثر من موظف.
وهو ما أكدته العديد من الدراسات الحديثة أنّ العمل عن بعد يحسّن إنتاجية الموظفين بنسبة 13 % وهي نسبة كبيرة يمكن أن تقوّي الوضع التنافسي للشركة في السوق.
وأشارت الدراسة إلى أن توظيف الكفاءات العالية والنادرة هو العامل الأساسي في نجاح أيّ شركة أو مشروع، ولعل أكبر إضافة تحصل عليها الشركة من اعتماد التوظيف عن بعد، هو أنّه يتيح لها الاستفادة من الكفاءات من أي مكان في العالم، دون التقيّد بالمنطقة الجغرافية التي تنشط فيها الشركة.
كما أشارت الدراسات إلى أن التوظيف عن بعد يقلل الكثير من التكاليف على الشركات مثل شراء أو تأجير مقرات العمل، وتكاليف المكاتب والمعدات والتجهيزات، ولوازم مقر العمل. إضافة إلى تخفيض النفقات الجارية، مثل فواتير الكهرباء ورسوم مواقف السيارات، كما تقلل من غياب الموظفين بسبب المرض فلن يكون عليه التوقف عن العمل، إذ يمكنه أن يعمل بشكل طبيعي من منزله.
ويؤكد أبوتايه ان الحاجة الماسة لاستخدام التكنولوجيا اصبحت ضرورة، الأمر الذي يستدعي أسس توظيف جديدة ومعايير قدرة الفرد على التعامل مع التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة.
إلى ذلك، آن الأوان لإعادة النظر في إدارة الموارد البشرية بحسب أبوتايه وطبيعة الوظائف وتحليل صفتها الوظيفية بناء على الوضع الراهن، وبالتالي وضع متطلبات جديدة للتوظيف سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام.