هل فقدنا السيطرة؟

منذ أن بدأت الاستعدادات للتعامل مع الوباء العالمي وأنا أراقب الأداء الحكومي بكثير من التقدير للجهود المبذولة فقد بدا واضحا ومنذ الايام الاولى وجود إرادة صادقة للعمل مسنودة بمعرفة مهنية وإحساس عميق بالمسؤولية وتقدير للتبعات.اضافة اعلان
الصورة الاولى للأداء تغيرت كثيرا عما كان عليه في الاشهر الثلاثة الاولى حيث تداخلت السياسات الامنية مع الصحية والاقتصادية وألقت جماعات الضعط بثقلها ولم يعد واضحا لأحد الأسباب التي تدفع بالتغيير وإعادة ترتيب الاولويات كما لم يشرح لنا أحد اسباب خسارتنا للمكانة الصحية التي استطاعت اجهزتنا تحقيقها في بواكير تفشي المرض عالميا عندما كانت دول العالم المتقدم تعاني من ويلات الجائحة وتنهار قدراتها في مجابهتها.
نعرف ظاهريا أن الاخطاء التي ارتكبت في إدارة النقاط الحدودية تسببت في دخول الفيروس وانتشاره لكننا نستغرب تغير الإستراتيجيات المتبعة في العزل والتباعد فمن التواصل عبر التكنولوجيا الى العودة الى المدارس ومن لا حفلات ولا تجمعات الى حفلات بأذونات وتصاريح ومن لا تجمع لأكثر من 20 شخصا الى تجميع مئات الطلبة في فضاءات ضيقة ومحصورة. هذه التحولات والتنوع في الاستجابات قلبت المزاج العام ووضعت الناس في كثير من الحيرة والتوجس.
لم أعد أبالي بالاستماع الى المؤتمرات الصحفية التي كانت تعقدها الحكومة عند الساعة السادسة من كل مساء. الكثير من التصريحات التي ترد على ألسنة السادة الوزراء والمسؤولين لا تبدو مترابطة وفي احيان اخرى ينقصها التناغم والانسجام. فلا توجد نظرية واحدة وأولويات واضحة تعرف التحدي وسبل مقاومته والتصدي له، فتارة نريد من الناس ان يبقوا في بيوتهم ريثما ينشف ويموت واخرى نريد منهم الخروج لنقوي مناعتهم.
إلى جانب المخاوف المتزايدة من عودة الوباء واستشرائه في المدن والاحياء والاماكن التي بقيت بعيدة عنه لأشهر يراود الناس قلق متزايد من التداعيات الاخرى للأزمة وانعكاساتها على آليات صناعة القرار وتراجع الامل بالعودة الى انماط الحياة والروتين الذي كان سائدا قبل تبني سياسات الحظر والحجر والتباعد.
الطمأنينة التي تحققت بعد نجاحات فرق الاستقصاء في تتبع العدوى التي تفشت في إربد والمفرق والهاشمي تتعرض إلى هزات جديدة بعدما اتسعت قاعدة الانتشار وقفزت الارقام إلى ما يزيد على أربعة اضعاف عددها في منتصف آيار.
في مختلف الأوساط والمدن لم نعد نعرف الفرق بين ما تقصده الحكومة بمفهوم التباعد وفيما إذا كان القرار بعودة الطلبة الى المدارس يقع في باب التقارب ام التباعد. التصريحات المتتالية للوزراء ومن هم في مواقع صناعة القرار تبدو اقل اتساقا وانسجاما عما كانت عليه قبل أشهر.
مئات الآلاف من الطلبة الذين التحقوا بالمدارس يساورهم وأهاليهم القلق حول اذا ما كانت العودة قبل كسر دائرة العدوى مناسبة، من لحظة لأخرى تتوالى الاخبار عن اكتشاف حالة هنا والحجر على مبنى هناك دون وجود تصور عام للخطة الوطنية لكسر السلاسل وتجفيف الفيروس يمكن ان يفهمها الناس ويساهموا في تطبيقها.
الإعلان عن الحظر الشامل في عمان والزرقاء الجمعة وإرسال الأبناء الى المدارس الأحد إجراءان غير مفهومين خصوصا بعدما جال اهالي عمان والزرقاء في طول البلاد وعرضها الجمعة الماضية وأسهم سلوكهم وتنقلهم في التقليل من جدوى التباعد وتخفيف الاتصال الذي نصحت به الكوادر الصحية في بواكير ظهور الوباء.