هل كانت "غمامة صيف"؟!

أنهت زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، ورفاقه الوزراء المختصين بالقوى العاملة والغاز المصري، الأزمة المستترة التي كانت تتصاعد بين الدولتين، جرّاء انقطاع الغاز المصري، وهو الأمر الذي حمّله مسؤولون أردنيون "فرضيات سياسية" تتجاوز الاعتبارات الفنية والاقتصادية التي كان "يتذرّع" بها الأشقاء!اضافة اعلان
ورغم أنّ مسؤولين أردنيين ينكرون بأنّ الحملة على العمالة المصرية الشقيقة الوافدة ارتبطت بالأزمة، وبمحاولة الضغط على الجانب المصري عبر هذه الورقة، إلاّ أنّ التوقيت والطريقة والرسائل المبطّنة كلها كانت تشير إلى اعتماد هذا الأسلوب "الجديد"، وهو ما يراه سياسيون أردنيون عملاً ناجعاً ومفيداً، آتى أكله، من دون أن نتساءل فعلاً؛ فيما إذا كنا قد استنفدنا الطرق الديبلوماسية كافّة قبل ذلك، وفيما إذا كانت أضراره الجانبية مبرّرة، في حال مثلاً تعاملت معنا دولة شقيقة لديها مهنيون أردنيون بالطريقة نفسها مستقبلاً، فهل سنبرِّر ذلك لهم، أخلاقياً وسياسياً وحتى إنسانياً؟
بلا شك، لم يفكّر الأردن بمحاولة الضغط على الجانب المصري إلاّ بعد أن وصل مرحلة من الاختناق الاقتصادي جرّاء انقطاع الغاز المصري، وحمّل الخزينة مبالغ طائلة، ضاعفت العجز الكبير أصلاً، ما هدّد الاستقرار السياسي الداخلي، في لحظة سياسية حرجة وحسّاسة، في الوقت الذي لم يكن هنالك جواب رسمي مصري مقنع، تزاوج مع تلكؤ وتباطؤ من قبل الأشقاء في إدراك أهمية الوصول إلى حل للمشكلة.
في المحصلة؛ عندما شعر الجانب المصري بأنّ القضية تتحوّل إلى أزمة سياسية، وبأنّ الظنون بدأت تأخذ الجانب الأردني إلى حسابات غير دقيقة تربط ذلك بأجندات إقليمية وبالعلاقة مع "الإسلاميين"؛ بادر إلى إرسال رسائل "حسن نية" مكثّفة خلال فترة قصيرة، عبر اتصالين من الرئيس محمد مرسي مع الملك، وزيارة الوزراء المعنيين، ثم رئيس الوزراء المصري إلى الأردن، ووضع حلول عقلانية وواقعية للملفات الطارئة على العلاقة بين الطرفين.
في مجال العمالة المصرية الشقيقة؛ قدّم الجانب المصري اقتراحاً (قرأناه عبر موقع عمون الالكتروني) يتكّون من 11 نقطة، فيها معاملة جيّدة ومتميّزة للعمالة المصرية في الأردن، ومراعاة خاصة لظروفهم الإنسانية وتحسين لشروط العمل، ووعود بتحسين حقوقهم المتعددة.
في المقابل؛ تمّ الاتفاق على عودة ضخّ الغاز المصري إلى الأردن، وتزويدنا بالكميات التي نحتاجها ضمن الأسعار المتفق عليها، ما يساعد الأردن كثيراً في مواجهة فاتورة الطاقة، تحديداً الكهرباء، التي كلّفت الخزينة 1.7 بليون دينار أردني، لم تكن ضمن حسابات العجز ولا توقعات المسؤولين خلال هذا العام.
خرجت الحكومتان بنتائج ممتازة، فالأردن ضمن الحفاظ على الغاز المصري كشريان مهم للكهرباء، وبأسعار متميزة، والجانب المصري حسّن من ظروف عمل الأشقاء المصريين هنا، وأثبتت الحكومة المصرية التي تمثّل الثورة حرصها على المصريين وعلى مصالحهم في الخارج، وأعطتهم امتيازات جديدة تشعرهم بأنّ عهد الحكومات التي تدير الظهر لهم قد ولّى.
ما هو أهم من هذا وذاك أنّ الأشقاء المصريين شرحوا بوضوح للجانب الأردني الأسباب والخلفيات الفنية والاقتصادية التي وقفت وراء انقطاع الغاز المصري، خلال الفترة الماضية، وهي قصة لا تمت من قريب أو بعيد لفرضيات سياسية "تخيّلها" المسؤولون لدينا، وفاضت بها "عبقريتهم" النادرة التي أقحمتنا بأزمات داخلية، وتريد اليوم أن تزجّنا بمحاور خارجية بناء على أوهام شبيهة بأخرى حكمت سياستنا الخارجية خلال السنوات الماضية!
بالضرورة ملف الأزمة الراهنة انتهى، لكن نتمنّى أن تكون غمامة صيف، وألا نستعجل الأمر ونأخذ مواقف من الحكومات الإسلامية الجديدة في المنطقة، فمن الخطأ – بل الخطيئة- أن نتعامل مع هذه الحكومات وكأنّها "خصم إسلامي"، فهي اليوم تمثّل دولا ومصالح، وهو ما أثبته سلوك الطرف المصري في الأزمة الأخيرة!