هل كان عاما واحدا فقط؟

غريبة تلك المشاعر التي تسيطر علينا. ضجيج عال داخل أرواحنا.
الكآبة تتسلل إلى دواخلنا لتأخذنا لهواجس مخيفة ومظلمة، نعيشها بمفردنا، تستنزفنا، كما لو أننا نصارع عدوا غامضا!اضافة اعلان
عام مضى منذ أن أطل كورونا برأسه للمرة الأولى على عالمنا، ليأخذ من الطمأنينة واليقين. قبل عام كنا نحن بجميع تفاصيلنا، واليوم لا نكاد نعرف ما الذي تبقى منا. بالتأكيد لم نعد كما كنا.
لنعترف أن جائحة كورونا أنهكتنا، وسرقت منا أشياء كثيرة، وأصبحنا نعاين أحزان من حولنا، ونرصد آثاراً نفسية تدمر في طريقها كل شيء!
أخبار الموت والمرض تفرض نفسها في كل مكان، فاتحة أبواب الحزن على مصراعيها. الجميع حزانى، لا يعرفون هل يواسون غيرهم، أم ينتظرون من يواسيهم.
كبرنا ألف عام، ولم يعد أي شيء قادرا على إدخال الدهشة إلى أرواحنا التي شابت من كثرة ما اختبرناه خلال عام "الرمادة" الذي عايشنا فيه ما لم نره طوال حياتنا!
هل كان عاما واحدا فقط؟ هل حقا كان عاما فحسب، أم هو قبائل من الأعوام التي هاجمتنا، ولم تترك لنا طريقا للهروب، لتشعل في أرواحنا حريقا، وتجعلنا نكبر فوق أعوامنا. هل فعلاً كبرنا ولم يعد الوقت يسعفنا، وأننا من الصعب أن نعيش ما حلمنا به يوما، فرفعنا رايات الاستسلام ووقفنا في مكاننا ثابتين لا نتحرك!
على مدار أشهر العام الكئيب، قاومنا أفكارا سوداوية داهمت عقولنا وطاردتنا، وياما هزمتنا في ميادين لم نختر منها واحدا.
لنعترف، إذن، كورونا أنهكنا بعد أن داهم مساحة الأمل في أرواحنا، وقتل يقيننا الذي كان مطمئنا إلى أننا لن نموت إلا "عجائز" في التسعين، غير أنه تعمد إيقاظنا من هذا الوهم، ورمى بنا إلى حضن الحقيقة. سرق منا لحظات الفرح واستبدلها بأوجاع سكنت دواخلنا، فبات الخوف على من نحب يحرمنا من القدرة على الاستمتاع بوجوده اليوم بيننا. أصبحنا أسرى لهاجس الألم "المسبق"!
بيوتنا أضحت سجونا بأسوار عالية؛ زيارات محدودة، ووحدة وغربة تسود لحظاتنا، حتى مكالماتنا الهاتفية لا تتعدى حدود الاطمئنان على صحة مصابين حولنا، وأحاديث متعبة تسود أماكن العمل، والجلسات المقتضبة تسيطر عليها قصص الفيروس وتداعياته المحزنة!
هذا ما نعيشه اليوم، وكلما فتحنا نافذة للأمل أغلقتها الأحداث التي لا نستطيع ردها، لنعود مجددا إلى دوائر الخوف والوجع.
ربما علينا أن ندرك اليوم كم كنا مخطئين قبل كورونا حين انشغلنا كثيرا بما ستأتي به الأيام المقبلة. كنا واثقين بالمستقبل، ونسينا أنه يمكن أن يذهب هباء كما جميع الأشياء الجميلة التي ذهبت مؤخرا. نسينا التفكير الآني باللحظة الحاضرة، والتي إن ذهبت فلن تعود أبدا.
لكن، وعلى علاتها، ربما تمثل هذه الفترة العصيبة فرصة أخرى لنا، أن نحاول بكل ما أوتينا من قوة ترميم أنفسنا، وأن نداوي أرواحنا مما علق بها غبار العام الثقيل.
سيطول مذاق الارتباك في فمنا، ولكن ها نحن ما نزال نعيش الحياة بكل تناقضاتها؛ إذن: دعونا لا نفقد الأمل!