هل كان "كاترينا" ضرورة للخروج من 11 أيلول؟

  تبدو الولايات المتحدة بعد أربع سنوات من أحداث الحادي عشر من أيلول وكأنها لم تفق بعد من الصدمة التي أعقبت الحادث، كانت بحاجة إلى حرب كبيرة تكافئ صدمة الحدث، ولم يكن كافيا احتلال بلد فقير محدود مثل أفغانستان فاحتلت العراق أيضا، وأعادت تشكيل العالم في حرب مع الإرهاب، حتى إن بعض الدول ظهرت على نحو صريح وكأنها تفتعل الإرهاب لتشارك العالم في حربه، لأن المشهد بدأ يظهر أن الدولة التي لا تشارك في المهرجان العالمي في الحرب على الإرهاب مع الإرهاب (من ليس معنا فهو ضدنا)، فكانت بعض الدول بحاجة إلى قدر من الإرهاب لتظهر مشاركة وتضامنا أكثر مع الولايات المتحدة، ولتكسب أيضا قدرا من التعاطف والدعم، أو لتخرج من مأزق داخلي أو خارجي يهددها.

اضافة اعلان

    11 أيلول تبدو تشبه أسطورة عين الماء التي تصيب من يشرب منها بالجنون، ولكن أغلب أهل المدينة شربوا من العين، وظهر أولئك الذين لم يشربوا منها مختلفين إلى درجة الجنون، فأجبرهم أهل المدينة على الشرب من العين ليتخلصوا من الجنون!

   ولكن الحرب مهما كانت غير متكافئة فإن لها طرفين، والمغلوب لا الغالب هو الذي يحدد نهاية المعركة، فقد بدت هذه الحرب كأنها بلا نهاية، أو كأن الولايات المتحدة غير قادرة أو غير راغبة في الخروج منها، أو كأن الجماعات المسلحة قادرة على مواصلة الحرب في أمكنة وصيغ مختلفة، صحيح أنها جنونية ويائسة، ولكنها أيضا فيها مبادرة عسكرية واستراتيجية جعلت الولايات المتحدة ودولا أخرى كثيرة في مأزق.

    ولكن الرسالة التي بثها أيمن الظواهري إلى العالم تالية لرسالة محمد صديق خان أحد منفذي عمليات لندن في السابع من تموز الماضي تتضمن كثيرا من إشارات الدعوة إلى التسوية والتفاوض، وبرغم ما فيها من تهديد فإنها لم تتضمن تحريضا على القتال والعمليات العسكرية، ولكنها تؤكد على أنها رد على السياسات الأميركية والبريطانية، بمعنى أن ما يحدث ليس جهادا للكفار بالمطلق ولكنه رد على العدوان.

   وكانت الرسالة سياسية أكثر مما هي عقائدية تلخص الحالة التي وصلت إليها القاعدة والجماعات المسلحة والمسار الذي سلكته ودفعت إليه.

إن الحروب والصراعات بين خصمين مهما كان الفرق في القوة بينهما لا يمكن أن تصل إلى سحق وإلغاء نهائي لأحدهما، ولكنها تؤول إلى تسوية مقبولة للطرفين وفق منطق المنتصر والمهزوم، ويحرص المنتصر عادة على إعطاء فرصة للمهزوم في الحصول على تسوية مشرفة ومقبولة، وهذا ما حدث على سبيل المثال بين الحكومة البريطانية والجيش الجمهوري الإيرلندي، وبين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ثم مع حركة حماس مؤخرا.

    وكان الإصرار المبالغ فيه على مواجهة الجماعات المسلحة بعد الحادي عشر من أيلول سببا في توسعة الإرهاب وشموله أمكنة ومجالات وأهدافا جديدة ربما لم تكن تخطر ببال أحد، وقتل فيهما من المدنيين والأبرياء على يد(قوات مكافحة الإرهاب) مئات أضعاف الذين قتلتهم الجماعات المسلحة، وفتحت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى على نفسها بابا من أبواب جهنم كانت تستطيع تركه مغلقا.

    التفسير الأيدولوجي والفكري لما جرى ويجري من عمليات مسلحة "غريبة الأطوار" لا يكفي للإجابة عن كل ما يجري، ولا يغطي سؤال الزمان والمكان في هذه العمليات، فالنصوص الإسلامية موجودة منذ ألف وأربعمائة سنة، و"دار الحرب" موجودة في كل مكان وزمان، ولا بد من البحث عن شبكة تفسيرية تنظر للأحداث وتفاعلاتها معا، العولمة ومن تجلياتها الصعود الديني في جميع أنحاء العالم، واليمين المتطرف الصاعد أيضا في كل الأديان والبلاد، وإن كان ثمة رغبة حقيقية في مكافحة الإرهاب أو تشجيعه واستفزازه، والشعور بالعدل والرضا أوالظلم والقهر والاستغلال والذي لا يمكن إلغاؤه أو تجاهله، والاستبداد والحرية، والاختيار والحتمية التي يوضع فيهما الأفراد والجماعات، والفساد والإفساد الاقتصادي والسياسي، وحقائق وتداعيات مرحلة المعلوماتية والاتصالات.

[email protected]