هل لبنان بلد غير قابل للحياة؟

هل لبنان بلد غير قابل للحياة؟ من يتمعن في أبعاد الجريمة الأخيرة التي استهدفت النائب أنطوان غانم الذي ينتمي إلى الأكثرية، يتبين له أن ما حصل يوم التاسع عشر من أيلول – سبتمبر الجاري في سن الفيل، وهي إحدى ضواحي بيروت، لم يكن سوى محاولة اخرى تستهدف تأكيد أن لبنان بلد غير قابل للحياة. أكثر من ذلك يبدو مطلوبا أن يفهم اللبنانيون عن طريق الاغتيالات والتفجيرات ان عودة نظام الوصاية "الأخوي" إلى وضع يده على البلد هي السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان وعودة الحياة في البلد إلى طبيعتها. المعادلة التي يريد النظام "الأخوي" فرضها عبر جرائمه تتلخص بأن ثمة ثمنا ليكون لبنان آمنا، هذا الثمن هو الأمن المستعار، أي الأمن السوري الذي من دونه لا سلم داخلياً في لبنان.

اضافة اعلان

من هذا المنطلق، ترتدي الانتخابات الرئاسية اللبنانية أهمية استثنائية بالنسبة إلى مستقبل الوطن الصغير الذي يحاول النظام السوري الاستيلاء عليه مجددا. ولذلك، لا يمكن إلا توقَّع عمليات اغتيال جديدة أو تفجيرات في مناطق مختلفة من أجل نسف فكرة اسمها لبنان. يحصل ذلك لسبب مرتبط بطبيعة النظام السوري. ربط هذا النظام مستقبله بالسيطرة على لبنان، علما أنه كانت لديه خيارات أخرى تحرره من وضع أن يكون أسيراً للبنان ومن عقدة لبنان التي تلازمه. ولكن ما العمل مع نظام لا يرى سوى لبنان والسيطرة عليه والتي تبدأ، من وجهة نظره، بأن يكون الرئيس اللبناني موظفا لدى الرئاسة السورية. وهذا ما يفسر إلى حد كبير ذلك الإصرار على التمديد للرئيس اميل لحود. من يستخدم الترهيب والتهديد للتمديد لاميل لحود، كما فعل الرئيس بشّار الأسد، يستطيع أن يرتكب كل الفظاعات بما في ذلك التسبب بصدور القرار الرقم 1559 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي تلاه اغتيال رفيق الحريري والشهداء الآخرين وآخرهم أنطوان غانم.

هذا القرار الذي أخرج الجيش السوري من لبنان إثر انتفاضة الاستقلال، ما كان ليصدر لو لم يصر النظام السوري على التمديد لاميل لحود بغية الامساك بلبنان وكأن مصير النظام في دمشق ومستقبله مرتبط ارتباطا مباشرا بالامساك بلبنان وبرئاسة الجمهورية أوّلاً.

ما هذا النظام الذي يعتبر مستقبله معلّقاً على مصير شخص في مواصفات اميل لحود، أو ما هو شبيه به، نظام لا يعرف من السياسة غير الحقد ولا شيء غير الحقد خصوصا على اللبنانيين السنَة وعلى كل من تسوله نفسه القول انه لبناني حر يؤمن بالحرية والسيادة والاستقلال والعروبة الحقيقية. انه نظام يؤمن بأن الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على اسرائيل وأن الرد على الغارة الأسرائيلية الأخيرة داخل الأراضي السورية يكون باغتيال نائب لبناني مثل أنطوان غانم.

 وكان النائب سعد الحريري رئيس تيار المستقبل على حق عندما ربط بين الغارة الاسرائيلية من جهة واغتيال أنطون غانم من جهة أخرى مختصرا بذلك السلوك الطبيعي لنظام يعتقد أن في استطاعته تغطية جريمة بجريمة أكبر منها وأن سلسلة الجرائم التي ارتكبها في لبنان سمحت له بتحسين مواقعه فيه والقضاء على حال العجز التي يعاني منها في مواجهة العدوالاسرائيلي وأنه بات على قاب قوسين أو أدنى من بدء رحلة العودة الى لبنان. والحقيقة أن أركان النظام السوري على قاب قوسين أو أدنى من المحكمة الدولية!

تكمن مشكلة النظام السوري في أنه لم يدرك أن لعبته صارت مكشوفة وأن رهانه على الاتيان برئيس موال له في لبنان من سابع المستحيلات. لن يقبل اللبنانيون برئيس موال للنظام السوري ولن يقبلوا بالفراغ الذي يسعى اليه هذا النظام بديلاً من قدرته على الاتيان بنسخة أخرى من اميل لحود، علما أن من الصعب الإتيان بنسخة في مثل هذه الرداءة. سينتخب اللبنانيون رئيسا جديدا. سيتحدّون المجرمين بما في ذلك أولئك الذين يشاركون في تغطية الجريمة من أمثال تلك الأداة العاملة لدى الأدوات السورية والايرانية والتي اسمها الجنرال.

لبنان عند مفترق طرق. لكنه سينتصر على الرغم من الثمن الكبير الذي دفعه وسيدفعه من دم خيرة أبنائه وأرواحهم. سينتصر لبنان لأنه على حق في المعركة التي يخوضها مع المجرمين الذين يحاولون تصدير أزماتهم إليه. المشكلة الحقيقية ليست في لبنان. إنها أزمة النظام السوري، رجل المنطقة المريض غير القادر لا على الحرب ولا على السلام، والذي يعتقد أن لا مستقبل له من دون العودة الى لبنان ومن دون المتاجرة باللبنانيين ومن دون أبقاء بلدهم "ساحة" في تصرفه، "ساحة" يبتز من خلالها العرب وغير العرب. هل صدفة أن يعلن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قبل أيام أن بلاده لا يمكن أن تقبل بترسيم الحدود مع لبنان قبل الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا ومن الجولان؟ من يريد أنسحاب أسرائيل من مزارع شبعا يرسّم حدوده مع لبنان كي يثبت للعدو الإسرائيلي وللعالم أن المزارع لبنانية. ومن يريد استعادة الجولان فعلا يطلق ولو رصاصة واحدة لإظهار أنه مهتم باستعادة أرضه المحتلة منذ العام 1967 وأنه معني فعلا بهذه الأرض وأهلها.

المؤسف أن بين اللبنانيين من يقبل تغطية الجرائم التي أرتكبها وتلك التي سيرتكبها النظام السوري. من يرفض المشاركة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية شريك فعلي في هذه الجرائم. من يهاجم الحكومة الشرعية في لبنان ويقاطعها انما يدعو النظم السوري الى ارتكاب مزيد من الجرائم وتنفيذ مزيد من التفجيرات. من يرفض انتخاب رئيس جديد للجمهورية استنادا الى مواد الدستور اللبناني الواضحة يرتكب جريمة كبرى في حق الوطن. لا وجود لشيء في الدستور اسمه مقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. "حزب الله" يقاطع لأنه ليس معنيا بلبنان كوطن نظرا الى أن لديه أجندة خاصة به مرتبطة بما يقرره له المحور الايراني – السوري.

أما رئيس مجلس النواب ورئيس حركة "أمل" السيد نبيه بري فهو مغلوب على أمره بعدما اجتاح "حزب الله" الطائفة الشيعية الكريمة بفضل الامكانات التي وفرتها له طهران. ولكن ماذا عن النواب المسيحيين الذين في امرة ميشال عون؟ كيف يمكن لهؤلاء مقاطعة جلسة انتخاب رئيس للجمهورية والذهاب إلى حد تغطية جرائم النظام السوري؟ انه لغز للبعض في حين أن الأمور تبدو واضحة بالنسبة إلى كثيرين يعرفون تماما أن الجنرال عون على استعداد حتى للاستفادة من الجرائم بغية إلغاء الأكثرية النيابية الحالية. انه عقل قاصر وحاقد في الوقت ذاته لا يتوقف عند أي مبدأ أخلاقي من أجل الوصول إلى مآرب يدرك الطفل أنه لن يستطيع الوصول إليها يوما ولو في الخيال. وعلى رأس هذه المآرب أن يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية!

في كل الأحوال، أن ما حصل في لبنان يوم التاسع عشر من سبتمبر – أيلول الجاري ليس سوى فصل آخر من حرب الاستقلال الثاني التي يخوضها اللبنانيون الشرفاء بشكل سلمي. المسيرة لا تزال طويلة. بدأت برفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما واستمرت مع سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل ووليد عيدو ولم تنته بأنطوان غانم ولن تنتهي به للأسف الشديد. نعم، للأسف الشديد، لا بدّ من الإقرار بأن الطريق الى استعادة لبنان عافيته لا يزال طويلا وأن التضحيات التي سيتوجب على اللبنانيين تقديمها في المستقبل كبيرة، بل كبيرة جدّاً.

كاتب لبناني