هل نحن عاجزون عن حل مشكلة العنف الجامعي؟!

مضى الآن ما يقارب العشرين عاماً على أول مشاجرة جماعية في الجامعة الأردنية. بعد ذلك، تنّقل العنف الجامعي بين الجامعات الأردنية. وكانت ترتفع وتنخفض وتيرة هذا العنف بين فترة وأخرى، بحسب الظروف والمعطيات. ولكن حجم العنف؛ وحدته؛ ومأساويته في جامعة مؤتة، يضع ملف العنف الجامعي على أجندة الحكومة الجديدة، في ظل انشغالها بتطوير برنامجها الحكومي الذي سوف تقدمه لمجلس النواب لنيل الثقة.اضافة اعلان
إذن، فمشكلة العنف الجامعي عابرة للحكومات. كما أن العجز المؤسسي عن معالجة هذه المشكلة أصبح عابراً للحكومات، والجامعات.
بالرغم من أن العنف الذي شهدته جامعة مؤتة عمره أسبوع تقريباً، فإنه باستثناء المؤسسات الأمنية التي كانت تحاول تطويق المشكلة، برز عجز وشبه غياب للمؤسسات المدنية المعنية. ولم يعقد مجلس التعليم العالي اجتماعه إلا بعد وفاة المرحوم الطالب أسامة دهيسات، ولم يأت البيان الصادر عن المجلس بجديد.
قبل عام بالضبط، قاد جلالة الملك عبدالله الثاني جهوداً أفضت إلى الإيعاز لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتشكيل لجنة لوضع استراتيجية للحد من العنف، تشرفت برئاستها. وقد أُنجزت الاستراتيجية في حينه، وأصبح عمرها يُقارب السنة الآن. ولا أدري ما إذا كان معالي وزير التعليم العالي الحالي يعلم بوجود هذه الاستراتيجية أم لا؟
نحن الآن لا نحتاج إلى دراسات جديدة. فالاستراتيجية، وما سبقتها من دراسات قدّمت لوزارة التعليم العالي، قامت بتشخيص مشكلة العنف الجامعي، والوقوف على الأسباب المباشرة وغير المباشرة لهذه الظاهرة. كذلك، كانت التدخلات الاستراتيجية والبرامج المقترحة منسجمة ومرتبطة بتشخيص المشكلة المبني على الدراسات حول هذه الظاهرة.
لقد أكدت الدراسات والاستراتيجية نفسها أن العنف في الجامعات هو مظهر من مظاهر أزمة التعليم العالي. وبالتالي، فإن معالجة العنف تتطلب إجراءات ليست مرتبطة فقط بنتائج العنف (العقوبات)، وإنما باجتثات الأسباب المؤدية إليه، والتي تتضمن إلغاء كافة أشكال التمييز في الجامعات، ابتداءً بأسس القبول، وكافة الممارسات التمييزية داخل الجامعات، وخلق بيئة جامعية تنويرية معرفية تركز على تنمية الطلبة، وتحسين البيئة الأكاديمية والتربوية في الجامعات من خلال تطوير أساليب التدريس والمناهج والخطط الدراسية. وكذلك، العمل على تعزيز الدافعية والانتماء للجامعة، وتنمية الروح الوطنية والمدنية والحقوقية، وتعزيز العمل التطوعي. وأخيراً، ركزت الاستراتيجية على تعزيز الكفاءة الأمنية للأمن الجامعي، والتعامل مع هذه المشكلة من خلال إنشاء أمن جامعي (شرطة جامعية) يتمتع بصفة نائب الضابطة العدلية، مرتبطة برئاسة الجامعة.
باختصار، بات من الضروري العمل على تحويل الاستراتيجية، بعد مناقشتها مجدداً، إلى "خطة عمل وطنية"، لوضع حد لظاهرة العنف الجامعي المؤلمة والمقلقة، وذلك من خلال قيام وزارة التعليم العالي بعقد اجتماع لرؤساء الجامعات الأردنية وعمداء شؤون الطلبة فيها، من أجل:
1 - تبني استراتيجية الحد من العنف في الجامعات الأردنية بعد مناقشتها وإقرارها.
2 - وضع آلية لتنفيذ الاستراتيجية، وتقسيم الأدوار والمهام بين الوزارة من جهة، والجامعات من جهة أخرى، وتحديد جدول زمني لتنفيذها.
3 - وضع آلية متابعة وتقييم لتنفيذ هذه الاستراتيجية.
العقول الأردنية ليست عاجزة عن اجتراح الحلول لهذه المشكلة. ولكن يبدو أن قدرة المؤسسات العامة على الاستجابة للمشكلات التي تواجه المجتمع الأردني أصبحت ضعيفة. وتفاقم العنف الجامعي بدأ يشكل تهديداً لسلامة التعليم العالي وللسلم الاجتماعي، ولا بد من أن تكون معالجته على رأس أولويات الحكومة والجامعات.

[email protected]