هل نحن على موعد مع موجات جديدة من الوباء؟

معظم العلماء والخبراء في علم الأوبئة لم يظهروا تردداً في الإجابة عن السؤال الذي آثرت أن يكون عنواناً لمقالي هذا، بــ»نعم»: فهم واثقون ومتيقنون من أنّ ما نشهده من تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد وفتكه بالبشرية، حتى الساعة، هو ليس مجرد موجة آنية، بل هي مقدمة لأخريات يلحن في الأفق؟ لكن الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة، وتقضّ مضاجعنا، تبقى رهينة الإجابة: بمتى، وأين وكيف وإلى أي مستوى؟اضافة اعلان
وتتسم تصريحات الخبراء في هذا المجال بالثقة الكبيرة، نتيجة لقراءات ودراسات معمّقة ومستفيضة أجروها حول تاريخ الأوبئة التي مرت بها البشرية عبر العصور والتي أزهقت أرواحاً كثيرة، وخاصة تلك التي ضربت العالم في القرن الماضي بدءًا بما سمي بالإنفلونزا الإسبانية عام 1918، والتي أودت بحياة أكثر من خمسين مليون إنسان، وقد ظهرت على شكل موجات متعاقبة ومتعاظمة، على عكس ما تلاها من موجات أخرى للإنفلونزا، والتي ضربت العالم في الأعوام 1952 ، 1968 و 2009 ووُصفت بأنها أقل شراسة، وخلّفت عدداً أقل من الضحايا، بالرغم من أنّ عدد سكان العالم قد أصبح أضعافا مضاعفة، والمدن أصبحت أكثر اكتظاظاً.
ويشبه العلماء الوباء بالحريق الذي يزداد ضراوةً كلما أُلقم المزيد من الوقود. والمقصود بالوقود في هذه الحالة قابلية البشر للإصابة، نظراً لعجز الجهاز المناعي على التعامل مع عدو مبهم وغير معروف بالنسبة له من قبل؟ واندلاع هذا الحريق بنيرانه الملتهبة سيتوقف في حال فقد فرصه بالتزود بالوقود، وهذا يعني اكتساب 70 % على الأقل من المواطنين مناعة ضد المرض، وحتى يتحقق هذا الشرط لا بد من توفر مطعوم يحقق الوقاية أو اكتساب المناعة لدى الإصابة بهذا المرض؟
وفعلياً لا يوجد ما يشير إلى أن فيروس كورونا المستجد سيتَّبع خطوات إنفلونزا 1918، وذلك للاختلاف في تركيب البُنية الجينية لكل فيروس ولإجراءات التباعد الاجتماعي والعزل والمتابعة التي تتبعها معظم الدول، لكن العودة إلى مزاولة الحياة الطبيعية التي بدأ يشهدها العالم أجمع، وما يرافقها من ممارسات غير مسؤولة لبعض الأفراد، الذين لم يلتزموا بالتعليمات العالمية المنصوص عليها من قبل منظمة الصحة العالمية للوقاية من المرض، وخاصة في مجتمعاتنا، واستهانة الشعوب بخطورة الوضع قد يقود إلى موجات جديدة من المرض غير مأمونة الجانب، وقد تكون أشرس، وأقرب مما نتوقع.
فإجراءات الغلق الصارم لن تصمد في أي دولة أمام تذمر الشّعب وأنّات الاقتصاد، لذلك نجد معظم الدول تتحرك باتجاه العودة التدريجية للحياة الطبيعية، لكن هذه العودة يجب أن تكون مشروطة بالاستمرار بمراعاة أساسيات الصحة العامة، ومنع التجمعات، والعمل على سد الثغرات التي عانت منها مختلف الدول والمتمثلة بنقص أدوات الوقاية الشخصية ونقص الأسرّة والمعدات الطبية؛ كي لا تأخذنا الموجة القادمة على حين غرة!
كما يخشى العلماء من تزامن الموجة القادمة مع موسم الإنفلونزا الموسمية؛ حيث لن يكون بمقدور الأنظمة الصحية التعامل مع هذه الضربة المزدوجة إذا لم تعدّ العدة لمواجهتها وضمن وقت قياسي، فنحن نتحدث عن بضعة أشهر، وعلينا التصدي والإعداد للموجات القادمة.
يعتقد العلماء أن هذا الوباء لم يبُحْ بكافة أسراره بعد، ويبقى الكثير من الأسئلة معلقا برسم الإجابة، لكن الأيام القادمة كفيلة بإماطة اللثام عن الوجه الحقيقي للوباء من خلال تطور فهمنا لطبيعته وإلى أن نصل إلى هناك لا سلاح بين أيدينا إلا الوعي والمزيد من الوعي.