هل نحن مستعدون لاقتصاد عالمي متعدد الأقطاب؟

جستن يفو لين ومنصور الدليمي*
واشنطن - في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من أزمة ثقة وفقدان التوازن الهيكلي وتوقعات نمو متواضعة ، فإن محاولة توقع مسيرة التنمية بعد عشر سنوات يتطلب الحذر وما هو أكثر من الحصافة. إن ما نحتاجه هو مقاربة متعددة الجوانب تمزج بين حس التاريخ مع تحليل حذر للقوى الحالية مثل التحول في ميزان النمو العالمي لمصلحة العالم الصاعد.اضافة اعلان
إن مثل هذا التوقع يتطلب ايضا فهم كيف تستوعب الاقتصادات المتقدمة هذا التحول وكيف يمكن للنظام المالي العالمي أن يتكيف مع ذلك. نحن نعتقد بعد دراستنا لتلك العوامل أن الاقتصاد العالمي على حافة التعرض لتغيير تحويلي – اي الانتقال الى نظام اقتصادي عالمي متعدد الاقطاب.
لقد تم حصول تغيير متكرر في نماذج القوى الاقتصادية عبر التاريخ طبقا لصعود وسقوط البلدان التي تعتبر الأفضل من حيث الجاهزية لتحريك النمو الاقتصادي وتحفيز الاقتصاد العالمي. إن تعدد الأقطاب، أي وجود أكثر من قطبي نمو مهيمنين، كان في وقت من الأوقات خاصية مهمة من خصائص الاقتصاد العالمي. لكن لم يحصل أبدا في التاريخ الحديث أن دولا نامية كانت في طليعة نظام اقتصادي متعدد الأقطاب.
إن هذا النموذج سوف يتعرض للتغيير فبحلول سنة 2025 فإن ستة اقتصادات صاعدة هي البرازيل والصين والهند وأندونيسيا وكوريا الجنوبية وروسيا سوف تشكل مجتمعة حوالي نصف النمو العالمي. إن من المرجح أنه بحلول تلك السنة أيضا فإن النظام المالي العالمي لن تهيمن عليه عملة واحدة. إن شركات الأسواق الصاعدة والتي تسعى للحصول على فرص خارجية والمتشجعة من تحسن السياسات المحلية، سوف يتزايد الدور الرئيسي الذي تلعبه فيما يتعلق بالتجارة العالمية والاستثمار عبر الحدود علما أن رؤوس الأموال الضخمة ضمن حدودها سوف يسمح لتلك الاقتصادات الصاعدة بأن تصبح من اللاعبين المهمين في الأسواق الدولية.
إن الاقتصادات الصاعدة التي تتمتع بالديناميكية تتطور من أجل أن تتبوأ مكانها على رأس الاقتصاد العالمي أي أن هناك حاجة لإعادة التفكير في المقاربة التقليدية المتعلقة بالحوكمة الاقتصادية العالمية. إن المقاربة الحالية تعتمد على ثلاثة افتراضات أساسية وهي: العلاقة بين القوة الاقتصادية المركزة والنمو ومحور الشمال –الجنوب فيما يتعلق بتدفقات رأس المال ومركزية الدولار الأميركي.
لقد بني النظام الاقتصادي العالمي الذي يرتكز على الولايات المتحدة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على مجموعة من الترتيبات الاقتصادية والأمنية الضمنية التي تكمل بعضها البعض بين الولايات المتحدة الأميركية وشركائها الرئيسيين علما أن الاقتصادات الصاعدة كانت تلعب دورا هامشيا. لقد قام الشركاء الاقتصاديون الرئيسيون للولايات المتحدة الأميركية أي أوروبا الغربية واليابان مقابل قيام الولايات المتحدة الأميركية بتولي مسؤولياتها فيما يتعلق بصيانة النظام والعمل كسوق الملاذ الأخير وقبول الدور العالمي للدولار، بالتنازل فيما يتعلق بالمزايا الخاصة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأميركية، مكاسب رسوم صك العملات وسياسة مستقلة ذاتية تتعلق بالاقتصاد الإجمالي المحلي والمرونة في ميزان المدفوعات.
بشكل عام فإن هذا الترتيب ما زال قائما اليوم ولكن هناك علامات بحصول تراجع في هذا الترتيب منذ زمن. إن من الأمثلة على هذا التراجع هي المكاسب التي حققتها الاقتصادات الناشئة من حيث توسيع وجودها ضمن التجارة العالمية.
إن من المرجح أن يؤدي تصاعد دور الاقتصاد العالمي متعدد الأقطاب إلى تغيير الطريقة التي يقوم بها العالم بممارسة التجارة العالمية. إن هناك عددا من الشركات الديناميكية في الأسواق الصاعدة في طريقها إلى الهيمنة على قطاعاتها الصناعية عالميا في السنوات المقبلة- وبنفس الطريقة التي عملت بها شركات الاقتصادات المتقدمة خلال الخمسين سنة الماضية. إن من المرجح في السنوات المقبلة أن تضغط تلك الشركات من أجل تحقيق إصلاحات اقتصادية في بلدانها بحيث تصبح تلك الشركات كعنصر قوة من أجل زيادة دمج اقتصاديات بلدانها في قطاع التجارة والمال العالميين.
إذا، فربما قد حان الوقت أن نمضي قدما فيما يتعلق بايجاد إطار متعدد الأطراف من أجل تنظيم الاستثمار عبر الحدود والذي تم تعطيله عدة مرات منذ العشرينيات وبعكس التجارة العالمية والعلاقات النقدية فلم ينشأ نظام متعدد الاطراف للترويج للاستثمار عبر الحدود وتنظيمه.
إن الدولار الأميركي ما يزال أهم عملة عالمية. لكن هذه الهيمنة في حالة ضعف كما يتضح من تراجع استخدام الدولار كعملة احتياط رسمية ومن أجل الدفع مقابل البضائع والخدمات وكقيمة اسمية للمطالبات الدولية وكعامل ثقة فيما يتعلق بسعر الصرف.
إن اليورو سيبقى أقوى منافس للدولار الأميركي طالما تمكنت منطقة اليورو من التعامل بنجاح مع أزمة الديون السيادية الحالية التي تعصف بها وذلك من خلال جهود الانقاذ المالي والإصلاحات المؤسساتية طويلة الأجل والتي تؤمن المكاسب من مشروع السوق الموحد طويل المدى. لكن مما لا شك فيه ان عملات الدول النامية سوف تصبح أكثر أهمية على المدى الطويل.
إن حجم وديناميكية الاقتصاد الصيني والزيادة المتسارعة في إضفاء الطابع العالمي على الشركات والبنوك الصينية يجعل العملة الصينية على وجه الخصوص مؤهلة لأن تتولى دورا عالميا أكثر أهمية. لقد ذكر البنك الدولي في تقريره عن آفاق التنمية الدولية لسنة 2011 ما يعتقد أنه سوف يكون السيناريو الأكثر احتمالا فيما يتعلق بوضع العملات على المستوى العالمي سنة 2025- ترتيب يعتمد على عملات متعددة تتركز على الدولار واليورو والعملة الصينية. إن ما يعزز هذا السيناريو هو احتمالية أن الولايات المتحدة الأميركية ومنطقة اليورو والصين سوف تشكل أقطاب النمو الرئيسة الثلاثة في ذلك الوقت.
اخيرا، يجب على القطاع المالي العالمي أن يتحمل مسؤولياته وذلك بالتحقق من أن برنامج التطوير ما يزال يشكل أولوية. إن الدول التي تتمتع بنفوذ اقتصادي عالمي لديها مسؤولية خاصة بحيث يجب أن تقبل أن سياساتها لديها تأثير مهم على البلدان الأخرى. إن المبادرات المتعلقة بالسياسة النقدية والتي تركز على المزيد من التعاون بين البنوك المركزية من أجل تحقيق الاستقرار المالي والنمو المستدام فيما يتصل بالسيولة العالمية سوف تكون موضع ترحيب على وجه الخصوص.
بالرغم من التقدم الكبير الذي حققته البلدان النامية في دمج أنفسها ضمن القنوات التجارية والمالية العالمية، ما يزال هناك الكثير من العمل من أجل التحقق من أنها تشترك في تحمل عبء المحافظة على النظام العالمي الذي تزداد حصتها فيه باطراد وفي الوقت نفسه فإن من المهم للغاية أن تقوم الدول المتقدمة الرئيسة بصياغة السياسات التي سوف تأخذ بعين الاعتبار ترابطها المتزايد مع الدول النامية. ان الحوكمة العالمية سوف تعتمد بشكل متزايد على الاستفادة من هذا الترابط من اجل تقوية التعاون الدولي وتعزيز الرخاء العالمي.


*جستن يوفو لين هو كبير الاقتصاديين في البنك الدولي ومنصور الدليمي هو المؤلف الرئيس لكتاب آفاق التنمية الدولية.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكت.