هل ننتظر؟!

من يرصد الأسلوب الإسرائيلي في تكريس استراتيجية التقسيم المكاني والزماني للحرم القدسي، وصولاً إلى المرحلة النهائية بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، يلاحظ أنّها استراتيجية تعتمد أسلوب "الترويض"؛ أي التقدم 10 خطوات والعودة فقط خطوتين إلى وراء، في اختبار وقياس دائمين لردود الفعل والتداعيات. وهو موضوع سنطرحه في مقال يوم غد. لكن ما أود طرحه اليوم هو تداعيات ذلك على الموقف الأردني، وما يمكن القيام به لمواجهة تلك الخطوات الاستفزازية الخطرة.اضافة اعلان
فمن المعروف أنّ قضية القدس و"الأقصى" لها أبعاد متعددة. إذ فضلاً عن الجانب الرمزي والتاريخي والديني، الذي يهمّ كل المسلمين والعرب، والمسيحيين كذلك، فإنّ هناك أبعاداً سياسية ومجتمعية وجغرافية مرتبطة بالتوأمة الأردنية-الفلسطينية، وبالوصاية الهاشمية على المقدسات، وباتفاقية السلام؛ وفوق هذا وذاك، بنمو التيار الإسلامي الراديكالي بصورة متسارعة خلال الأعوام الماضية في أحشاء المجتمع الأردني، وهو ذو خطاب يتغذى على مجموع الإحباط والفشل والفوضى وخيبات الأمل، ليصنع منها أرضية صلبة للدعاية والتجنيد.
مثل هذه الانتهاكات الإسرائيلية، إذن، هي بمثابة وصفة لتوتر شديد. وتتطلب ردّ فعل سياسي صلبا، بدت ملامحه الأولى من خلال تصريحات الملك والوزراء المعنيين، والتي وصلت حدّاً غير مسبوق، ودفعت بالإدارة الأميركية إلى التدخل لدى الحكومة الإسرائيلية التي من الواضح أنّها أصبحت تخضع لأجندة اليمين الديني المتطرف، حتى إن شخصاً مثل رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، أصبح بمثابة "شخصية معتدلة" مقارنة بكثير من أعضاء الكنيست.
ثمّة ردود فعل رسمية وشعبية لا تصل إلى الدرجة المطلوبة من الضغوط الدبلوماسية والسياسية والجهود الإعلامية والثقافية المؤسسة؛ فما نزال نحتاج إلى تطوير صيغة جديدة من العمل المستدام، الذي يشكّل نقلة نوعية في حماية القدس والمسجد الأقصى.
في هذا السياق، وهنا بيت القصيد، أؤيد اقتراحاً وجيهاً ومهما للمفكر والسياسي المخضرم عدنان أبوعودة، يتمثل في تشكيل لجنة (وأقترحُ أن تكون بإشرافٍ من الديوان الملكي) لحماية القدس والمسجد الأقصى؛ تضم نخبة من المثقفين والمفكرين والسياسيين، يشرفون على مكتبٍ دائمٍ خاص يتابع التطورات، ويتم تزويده، بصورة دورية، بالتقارير والمعلومات الضرورية، ويصوغ الاستراتيجية المطلوبة لمواجهة مخططات الاحتلال، وتفعيل القضية غربياً وأوروبياً وعربياً.
هذه الطريقة هي الخطوة الأولى للخروج من عقلية الفزعة والتعامل الارتجالي مع مشروع إسرائيلي كبير ومدروس ومرحلي. ومما قد يزيد من خطورته، كما يذكر عدنان أبو عودة، تلك التقارير التي تتحدث عن موضوع الحفريات الحالية تحت المسجد الأقصى؛ إذ ستكون آثارها قاتلة ومدمّرة في حال حدث زلزال في المنطقة المحيطة. وهو، وفقاً لهذه التقارير، أمر متوقع الحدوث كل 80-100 عام. وفيما كان آخر زلزال أصاب الأردن وفلسطين في العام 1927، يكون معنى ذلك أنّنا اقتربنا من المربع الزمني المتوقع لزلزال جديد.
الأمر ما يزال في طور التقارير والتوقعات والفرضيات. لكن من الضروري أن يؤخذ بعين الاعتبار، وأن يُدرس تأثير تلك الحفريات على بناء المسجد الأقصى، بوصفه قيمة دينية وتاريخية ورمزية وأثرية؛ وأن يتم، على الأقل، رصد المشروع الإسرائيلي تجاه القدس و"الأقصى"، وهي مهمة أفضل ما يمكن أن يتبنّاها الأردن، بالتعاون مع الجهات الفلسطينية المختصة.
إما أن نبدأ فوراً بتقييم مقارباتنا غير المجدية والفعّالة، لتتحول الأحداث الجارية فيما يتعلق بالقدس و"الأقصى" إلى قضية وطنية توافقية، وهي تحظى بأبعاد عربية وإسلامية وعالمية؛ أو أن ننتظر تنفيذ المشروع الإسرائيلي-الصهيوني، بهدم المسجد الأقصى، والذي ستكون تداعياته وخيمة على المنطقة بأسرها، كما سنناقش في مقال يوم غد.