هل هناك جدية بملف عمل المرأة؟

سهر العالول ورندة نفاع

تشكل الأعمال الرعائية التي تقوم بها النساء والفتيات داخل أسرهن بحكم أدوارهن الاجتماعية خدمة ودعما مجانيا لعجلتي الاقتصاد والحياة، فهذه الأعمال غير المعترف بها هي التي ترعى القوى العاملة المنتجة وتغذي أرباح السوق ورأس المال. فخروج القوى العاملة كل صباح للعمل واستمرارها فيه طيلة اليوم على مدى أيام السنة لا يمكن أن يتم بدون "الدعم المجاني" الذي تقدمه النساء في أغلب الأوقات من عناية بالأطفال وكبار السن والأعمال المنزلية كاملة.اضافة اعلان
فالرأسمالية، والأنظمة الاقتصادية التي تتبعها، لا تجد حرجا بتحميل كلفة رعاية القوى العاملة للنساء صاحبات الصوت الأضعف مجتمعيا والمهمشات بدرجة أكبر اقتصاديا.
وما نراه اليوم من عودة لكافة القطاعات في سوق العمل، دون عودة الحضانات والمدارس للأطفال دون 12 سنة ودون توفير بدائل للأسر العاملة وتحديدا للأمهات منهم هو أكبر دليل على وجود اخفاقات في التعاطي مع ملف المرأة خلال الأزمة وترسل رسالتين لا تقل أحدهما خطورة عن الأخرى: الأولى، بأن العمل الرعائي غير مرئي وغير معترف به كعمل ذي قيمة وهو ليس مسؤولية للدولة بالرغم من ارتباطه العضوي باستمرار العملية الاقتصادية بل هو شأن خاص ومسؤولية الأسر العاملة وحدها وتحديدا الأم، والثانية أن عمل المرأة أمر ثانوي وممكن التخلي عنه بكل سهولة لصالح دورها الرعائي التقليدي.
وفي سعينا في "صداقة" للبحث عن حلول وبدائل للأمهات العاملات وللأسر العاملة بعد توقف العمل في قطاع الرعاية، وحماية لهذا القطاع من الانهيار ليبقى يؤدي دوره كداعم أساسي لاستمرار العمل في كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى، قمنا وبحكم عملنا الوثيق المرتبط بالاقتصاد الرعائي، بعمل حملات استماع لقطاع الرعاية في الحضانات مع أمهات وأسر عاملة ومقدمات رعاية وصاحبات حضانات وثقنا فيها التحديات التي تواجه هذا القطاع والعاملات فيه خلال الجائحة، وعقدنا حوارات اجتماعية عبر منصة "صوت العاملات" التي أطلقناها الكترونيا بالتعاون مع شبكة سيدات اعمال العالم العربي لبحث تحديات النساء العاملات خلال الكورونا، وجمعنا كافة المطالب ووضعناها في ثلاث أوراق موقف وورقة سياسات مع حلول عملية وجهناها للجهات المعنية ومن بينها وزارتا العمل والتنمية الاجتماعية والضمان الاجتماعي.
وعلى رأس هذه المطالب ضرورة الالتفات من خلال أوامر الدفاع المتعددة وبرامج الوزارات إلى النساء العاملات في القطاعات الرعائية التي تعطلت عن العمل وتخصيص برامج دعم مالي للأعمال الرعائية مدفوعة الأجر والمرتبطة تقليديا بالنساء مثل مقدمات الرعاية في الحضانات ومراكز رعاية كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة واللواتي تعطلن عن العمل في فترة الجائحة وتحصين قطاع الرعاية وحمايته خصوصا في ظل ضعف الحماية الاجتماعية للعاملات فيه فغالبيتهن يعملن بأجور أقل من الحد الأدنى للأجور وغير مشتركات بالضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي.
ندرك تماما المخاوف الصحية المرتبطة بعودة التجمعات وتحديدا في الحضانات والمدارس حيث ما زالت الأبحاث غير جازمة فيما يتعلق بانتقال العدوى بين الأطفال وإن كانوا فعلا ناقلين لها أم لا وغير ذلك من التحديات المرتبطة بتطبيق شروط التباعد الاجتماعي. مع ذلك، من المهم الاستفادة من تجارب دول عادت فيها دور رعاية الأطفال والحضانات إلى العمل، أو لم تتوقف خدمتها للقطاعات الحيوية.
وإن استمر تشكيل عودة قطاع الحضانات تحديا فإن تفعيل سياسات عمل تخاطب احتياجات الاسر العاملة وتوفير بدائل اليوم هو ضرورة قصوى، مثل الاستمرار بالعمل بنظام العمل المرن للأمهات والآباء العاملين وأصحاب المسؤوليات العائلية الرعائية أو منح إجازة تعطل مع توفير دعم للرواتب عبر صندوق التعطل في الضمان الاجتماعي لحين عودة الحضانات ومراكز رعاية ذوي الإعاقة والمدارس للعمل، مع التأكيد على أهمية حماية حقوق العاملين والعاملات في كافة تلك الأحوال وعدم المساس بأجورهم او حقهم بالعمل.
إن تجاهل المطالبات بعودة عجلة الاقتصاد الرعائي للدوران المشروط بإجراءات صحية صارمة وعدم تفعيل سياسات العمل المرنة ترسل برسائل على الأغلب أنها دون قصد، لكنها خطيرة فيما يتعلق بمكانة أولوية ملف عمل المرأة لدى الدولة.
الإرادة السياسية مهمة اليوم في الدفع بحقوق المرأة قدما من خلال تفعيل القوانين والإجراءات والحلول لتأخذ حيز التنفيذ بعد أن كانت على شكل وعود والتزامات لم تنفذ بعد وأن يضع صانع القرار المرأة كجزء أساسي ومحوري على خريطة السياسات والقرارات.
وعلى الدولة وصانعي القرار اليوم مسؤولية متابعة تطبيق التزامات الاردن وترجمة الاعتراف بقيمة وأهمية عمل المرأة إلى إجراءات على أرض على شكل سياسات عادلة وبرامج للحماية لتجنب التمييز ضد المرأة والذي تظهر آثاره جلياً خلال الأزمة.

  • مؤسسة صداقة