هل هناك صفقة إقليمية في الأفق؟!

لم تشهد المنطقة منذ فترة حراكاً سياسياً، دولياً وإقليمياً، كالذي تشهده الآن بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتنسيق وتفاهم كبيرين مع روسيا. هناك ثلاثة مسارات تفاوضية بشكل متزامن حول ملفات منفصلة، لكنها متداخلة، وتشكل بؤر توتر وعدم استقرار في المنطقة:اضافة اعلان
أول هذه الملفات، المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي أصرت الإدارة الأميركية على استئنافها، ووضع جدول زمني لا يتجاوز التسعة أشهر لاختتامها بالتوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين.
وتدرك الولايات المتحدة أن القضية الفلسطينية هي قضية محورية، ليس فقط للفلسطينيين والعرب والإسرائيليين، وإنما أيضاً للعالم أجمع؛ وأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بات يشكل عبئاً سياسياً وأخلاقياً على الولايات المتحدة والغرب عموماً، إضافة إلى آثاره السلبية على الفلسطينيين والمنطقة عموماً. ودليلا على جدّية الولايات المتحدة الأميركية، فإن وزير خارجيتها جون كيري، يحمل هذا الملف ويتابعه مباشرة من خلال زياراته المتكررة للمنطقة.
أما الملف الثاني، والذي يشكل بؤرة توتر كبيرة في المنطقة، فهو الملف النووي الإيراني، والدور الإقليمي لإيران في الصراع في الشرق الأوسط، وحضوره القوي في دول مهمة كالعراق وسورية ولبنان وغيرها. هذا الملف الذي يشكل تحدياً كبيراً ليس للسياسة والمصالح الأميركية فقط، وإنما أيضاً لكل المنطقة، بات من الضروري التوصل إلى تسوية بشأنه. الأطراف باتت بحاجة ماسة إلى إنهاء هذا الملف، لأن أسلوب المواجهة والعقوبات الدولية لم يؤد إلى تغيير في السياسة الإيرانية. كذلك الحال بالنسبة لإيران؛ فهي تدفع ثمناً كبيراً نتيجة العقوبات الأميركية والدولية المفروضة عليها، ولم تعد تتحمل استمرار هذه العقوبات، نظراً لآثارها البليغة على الاقتصاد الإيراني.
وقد جاء التقارب الأميركي-الإيراني بعد انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني مفاجئاً للكثير من المراقبين، وبخاصة الدول العربية. ولكن في الأنباء أنه تم التمهيد لهذا الانفتاح منذ عام على الأقل، من خلال القنوات الخلفية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
أما الملف الثالث، فهو الأزمة السورية المندلعة منذ أكثر من عامين، والتي بات استمرار السياسة نفسها حيالها مكلفاً جداً، علاوة على الآثار المدمرة للأزمة على سورية ودول الجوار والإقليم. وقد أصبح واضحاً أن الحسم العسكري للأزمة السورية غير ممكن من قبل أي طرف، وأنه لم يعد ممكناً إزاحة النظام السوري إلا بالتدخل الأميركي عسكرياً، وهو ما كانت تأمل المعارضة وبعض الدول الإقليمية أن يحدث، ولكن ذلك لم يكن ممكناً لأسباب عديدة باتت معروفة.
بالرغم من أن هذه المسارات تبدو منفصلة، إلا أنها، في الواقع، متداخلة تؤثر في بعضها بعضاً. ولم يعد من الممكن التوصل إلى حل لأي من هذه الملفات العالقة من دون الأخرى.  وعليه، فلا بد من التعامل معها من منظور شمولي إقليمي ودولي.
إن السياسيين والمواطنين في هذه المنطقة غير متفائلين بأن المفاوضات، وبخاصة الفلسطينية-الإسرائيلية ستؤدي إلى حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وذلك لسببين: أولهما، التعنت الإسرائيلي، والاستمرار في قضم الأراضي الفلسطينينة. وثانيهما، القناعة شبه المطلقة بعدم قدرة الولايات المتحدة على التأثير على إسرائيل، وإجبارها على قبول اتفاق يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. ولكن هناك متغيرات إقليمية ودولية لم تكن متوافرة في السابق، قد تشكل عنصراً جديداً يجب أن يؤخذ بالحسبان، من أهمها التقارب الأميركي-الروسي. والتعاون بينهما فيما يبدو أنه أقرب إلى تفاهمات استراتيجية بشأن العديد من الملفات والقضايا، وبخاصة في المنطقة. وثاني المتغيرات هو التحولات السياسية في المنطقة العربية، والتي أدت إلى تغيير في التركيبة الجيواستراتيجية للإقليم، مع تراجع واضح وكبير للدول العربية المؤثرة تاريخياً، مثل مصر وسورية والعراق، وبروز دور اللاعبين الإقليميين، مثل إيران وتركيا وإسرائيل. والعامل الأخير له علاقة برغبة أميركية أوروبية عالمية في الانتهاء من هذه الملفات في الشرق الأوسط، والتفرغ للقوى الآسيوية الصاعدة، وبخاصة الصين.
بالطبع، من الصعب التكهن بالمستقبل. والطريق إلى هذه الصفقة قد لا تكون معبدة، وتعتريها صعوبات وعقبات كبيرة، من أهمها الموقف الإسرائيلي المتعنت تجاه القضية الفلسطينية. ولا يقل أهمية عن ذلك الموقف من القنبلة النووية الإيرانية، والذي شكل حجر الزاوية في سياسة نتنياهو خلال السنوات الماضية، واستخدمته إسرائيل لابتزاز أميركا وأوروبا وبعض دول الإقليم. ولكن في المقابل، فإنه ومن دون التفريط بالمصالح الإسرائيلية الاستراتيجية، لن تقبل الولايات المتحدة وأوروبا بأن تكون مصالحهما الاستراتيجية رهن السياسة الإسرائيلية وتعنتها.

[email protected]