هل يتبع الأردن سياسة مالية توسعية؟

بشكل غير مسبوق برزت مؤخرا حدة في الحديث عن برنامج صندوق النقد الدولي وإجراءاته المالية ومسؤولية تلك الاجراءات عن حالة التباطؤ الاقتصادي وتواضع مستويات النمو وبالتالي انخفاض حصيلة الايرادات واتساع عجز الموازنة. اضافة اعلان
تلك اللغة ومفرداتها استعملت ليس من قبل افراد ومراقبين عرفوا بانتقاداتهم لبرنامج التشدد المالي التي يتم وصفها ببرامج صندوق النقد الدولي، بل من بعض المسؤولين القريبين الحاليين من الملف الاقتصادي والذين يجادلون بأن السياسة المالية وصلت إلى اقصى الحدود الممكنة ومن الصعب الاستمرار في تلك السياسة لأنها أدت إلى حالة الإنهاك التي وصل اليها الاقتصاد.
ولكن السياسات المالية المتبعة حتى الآن فيما يخص الواقع الاقتصادي تمثلت ببعض القرارات التي تشير إلى توجه الحكومة التوسع في الانفاق الجاري، تجلى ذلك في زيادة رواتب المعلمين، تلاها قرار المتقاعدين العسكريين، ثم تسوية موظفي البلديات، تلك القرارات التي اتخذت أو أجبرت الحكومة عليها تعني ان الإنفاق الجاري سيرتفع عن سقف العام الحالي بما لا يقل عن 130 مليون دينار، وليس من الواضح كيف سيتم استيعاب هذه الزيادة، هل يتضمن ذلك ضرائب جديدة ام اقتطاعا من مخصصات مؤسسات وجهات أخرى ام نظرا في برامج الدعم السلعي والنقدي، لأن تلك الزيادة في الإنفاق سيرافقها الزيادة الطبيعية السنوية في النفقات التشغيلية للحكومة. وسيكون امام وزير المالية الجديد محمد العسعس تحدّ كبير لضبط العجز وتحفيز النمو، إذ تضمنت حزمة التحفيز الأولى إجراءات ذات كلفة على الخزينة.
ولعل بقية الحزم التحفيزية المتوقعة ستتضمن كذلك قرارات أخرى بذات الاتجاه مما يجعلنا نتساءل هل قررت الحكومة اتباع سياسة مالية توسعية بغض النظر عن مستويات العجز في الموازنة، وهل صحيح ان هناك تفكيرا بإعادة النظر في كيفية احتساب الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي مما يعني إيجاد حيز مالي إضافي نتيجة لإعادة ذلك الاحتساب تمهيدا لزيادة حجم المديونية، وهل سيقدم ذلك وصفة للمرور من الوضع الاقتصادي الشائك.
لقد جرت حوارات اقتصادية قادها الديوان الملكي على مدى عدة جولات خلال الأسابيع الماضية، لم تتضح مضامينها او ما هي التوصيات التي خلصت اليها والتي يجب الإعلان عنها وتوسيع دائرة الحوار حولها بحيث يتم إيجاد ما يشبه التوافق حولها، لأن من شأن ذلك تسهيل عملية التنفيذ.
ما يجب التحذير منه هو التساهل في موضوع ضبط الاطار الكلي للاقتصاد الذي يجب أن يظل متماسكا ومقنعا للأطراف الدولية وعلى رأسها صندوق النقد حفاظا على مصداقية الأردن والنأي عن دعوات غير مقنعة بالتوسع في الاستدانة من السوق المحلي على اعتبار ان ذلك يتم بالعملة المحلية. فالحقيقة الثابتة هي أن استدامة الدين ترتبط بالتدفقات المالية للحكومة وليس بحجم الدين فقط وإن إعادة احتساب الدين لن تؤثر على العبء المترتب على الخزينة من أقساط وفوائد.
وصفة العبور والخروج من هذا الوضع، تتمثل بتوظيف السياستين المالية والنقدية بطرق مبتكرة تتمثل بعقد شراكات حقيقية مع القطاع الخاص وتنفيذ مشروعات عامة تمول من قبل القطاع الخاص المحلي. وهذا توظيف افضل لودائع البنوك بدلا من التوسع غير المدروس في النفقات الجارية.