هل يدرك الناس قيمة الأمن العام الذي يتمتعون به ؟

بالإرهاب القاعدي والداعشي – ويعني قتل الناس المصادفين / الأبرياء لأغراض سياسية- يصبح كل انسان في العالم متهماً بالارهاب بانتظار نتيجة الفحص باليد أو بالآلة، وموضوعاً للموت أيضاً في أية لحظة أو في أي مكان فيه، وتتعطل الحياة لأن كل واحد فيه يفكر ألف مرة قبل أن يخرج من بيته ويتحرك هنا أو هناك. بل إن المرء يخشى أن يصيب التفجير بيته أو سيارته أو شخصه... في الشارع أو المكان الذي يقع فيه التفجير.اضافة اعلان
لقد جعل هذا الارهاب العالم كله غير آمن . يقول الصحفي جويل درايفوس : "هذه الأعمال من الإرهاب الدموي مثل هجمات شارلي إيبدو، وإطلاق النار في برناردينيو في كالفورنيا، وتفجيرات مطاري بروكسل واسطنبول، والمجازر التي لا يمكن وصفها في العراق وأفغانستان، والمذبحة التي وقعت في أورلندو هذا العام، ألقت كلها بظلالها على قراراتنا اليومية .... سوف يعترينا الشك وسننظر دائماً حولنا، وسوف نفقد الثقة بجيراننا ، ونغير من عاداتنا في إطار جهودنا لنظل بعيدين عن قائمة الضحايا" (الغد في 21/7/2016).
بالإرهاب القاعدي والداعشي تصبح الحياة مجرد انتظار للمجهول الدامي فلا يذهب طفل/ة إلى روضة أو مدرسة، أو طالب/ة إلى جامعة، أو مريض إلى عيادة أو مستشفى، أو محامٍ أو قاضٍ إلى محكمة، أو موظف إلى شركة أو دائرة، أو عامل إلى مصنع أو مكتب... والماء لا يأتي والكهرباء لا تعمل. إن الحياة تتوقف تماماً وعجلة الموت هي الوحيدة التي تدور.
ولتدرك كارثية الإرهاب؛ تخيل نفسك أو طفلك أو أباك أو أمك أو أخاك... في موقع التفجير أو الدهس أو الضرب بالبلطة... التي حدثت في البلد المنكوب بها، فعندئذ تدرك قيمة الأمن العام الذي تتمتع به وصمود بلدك في وجه الإرهاب. قارن حياتك الآمنة بحياة المعذبين بحرمانه... نفسياً وجسمياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً وثقافياً وسياسياً، تعرف الفرق.
ولما كان الأمر كذلك فإن كل من يؤيد الإرهاب باليد أو باللسان وبالقلب إرهابي، وإن تظاهر بغير ذلك -مؤقتاً - ومن باب التقية، لأنه سيخلعها عن وجهه فور وصول جماعته الإرهابية، وسيشارك في عملياتها كافة ضد جيرانه وشعبه وبلده، تمهيداً لإعلانه ولاية جديدة في دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية في العراق والشام.
لطالما ذكرت أن التنشئة والتعليم بما في ذلك الوعظ والإرشاد والإعلام... –بوجهٍ عام- أو الخطاب الإسلاموي التكفيري في بلاد العرب والمسلمين، هو حاضنة أو دفيئة الإرهاب أي المكون للعقل الإرهابي أو الهوس الديني ومغذيه ومؤججه. ولدهشتي اكتشفت أن عدداً غير قليل من عيادات الأطباء ومكاتب المحامين والمهندسين... تروج له بالكتيبات والنشرات.
كنت أتصور أن الإرهاب ينبع من أرضية تلك المصادر لأكتشف أن السقف يدلف أيضاً بالإرهاب. ولذلك أشك بنتائج استطلاع المعهد الجمهوري الدولي الأميركي (الغد في 21/6/2016) أن 89 % من المستطلَعين في الأردن يعتبرون داعش منظمة ارهابية، لأن الناس في بلادنا العربية لا يقولون الحقيقة الجوانية باستطلاع يتم بالهاتف أو بالمقابلة لخشيتهم من الرقابة والمساءلة، فيجيب كثيرٌ منهم حسب المرغوب فيه.
والصحيح كما أدّعي أن النسبة بالعكس. إنكش أي واحد مصادف أو حتى من النخبة تجد أن جلده ينطوي على تطرفه الديني أو التكفيري، وهو نتاج عقود من الخطاب او التنشئة والتعليم والتلقين والتكرار التي أدت إلى تكوين بنية عقلية (Mindset) متطرفة ومغلقة لدرجة إنكارها لصحة فيديوهات داعش بالذبح والحرق والتفجير (أو مذابح الموالاة) واعتبارها مفبركة من الأعداء. ويصل الأمر ببعض التابعين الخفيين لها إلى اتهام المعادين لها بالداعشية. إنها الباطنية بأقوى مكرها.
عندما تلجأ أي جماعة أو حركة دينية إلى الإرهاب لإقامة الدولة فإن الإرهاب يصبح الرسالة لا الدين، فالوسيلة هي الرسالة وليس الادعاء أو الهدف المعلن (The medium is the message). وقياساً على تاريخ الأمس واليوم سيعاني المؤيدون المقنعون للإرهاب عندما يصل كما يعاني أمثالهم في الموصل والفلوجة والأنبار... الذين أنضموا إليهم وسيكفرون باليوم الذي انضموا فيه إلى الإرهاب، لأن حياتهم تتعطل ومرافق الدولة تنهار، والجميع في جوع وعطش وخوف وذعر ودم، وقد يصبحون نازحين أو لاجئين.
لقد أصبح المهاجرون المسلمون: العرب وغير العرب في الخارج في خطر شديد على وجودهم فيه من تواتر حوادث التفجير والمذابح ، وكل من العراق وسورية واليمن وليبيا حطاماً، والحياة في كل منها جحيم، فهل يدرك الناس هنا قيمة الأمن العام الذي يتمتعون به إلى الآن، والذي تقطعه أحياناً أحداث عابرة كحادث إربد وحادث البقعة وحادث الحدود وقبلها حادثة الفنادق، وضرورة التزام الجميع بالوحدة في مواجهته، والأجهزة الأمنية والدفاعية بالجاهزية الكاملة واليقظة التامة لدرئه أو تعطيله بعيداً عن الناس، ولكن ليس على حساب الشفافية وحرية التعبير اللتين لا يستقيم الأمن العام ولا يكتمل إلا بهما.
إن الأولوية في هذه المرحلة هي الوقوف في وجه الإرهاب وعدم السماح له بفتح ثغرة على الحدود أو في الداخل لأن ماعداه من أخطار وتحديات ومشكلات مهما بلغت من الحدة كالفقر والبطالة والمرض والفساد... تهون أمامه، فلا يدعيّن أحد أنها أهم منه أو أنها من أهم أسبابه، لأن هذا القول غير صحيح وإلا لكان الإرهاب قائماً في معظم الدول والبلدان في العالم. كما أن مناقشة هذه العلل بغيابه لا بحضوره يمكن التغلب عليها أو التخفيف من حدتها.
يوجد للإرهاب الداعشي والقاعدي سببان رئيسيان وهما: الهوس الديني المتعاظم الذي أنتجه الخطاب الدينوي في العقود الماضية، والهوس الجنسي الناجم عن الكبت الشديد الذي تستفزه  الصورة اليومية المثيرة للمرأة في وسائل الاتصال، ونداء تعدد الزوجات والإماء والجواري، او الحوريات، اللواتي ينتظرنَ الداعشي أو القاعدي القتيل على باب الجنة.
وبما أن الأمر كذلك فإن في نسبة هذا الإرهاب إلى تلك العلل بغياب هذين السببين الرئيسين تبريراً له أو تحريضاً. لو كانت تلك العلل أسبابا رئيسة للإرهاب لفشى في العالم أجمع وليس في بلاد المسلمين: العرب وغير العرب فقط.