هل يفعلها الاتحاد الأوروبي ؟

شهدت العلاقات الأوروبية الأميركية توترات متزايدة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ويمكن القول إن ترامب تراجع عن العديد من السياسات التي تبنتها الإدارة الأميركية السابقة بدءاً من الانسحاب من اتفاقية المناخ، والتراجع بالسياسة الأميركية نحو الصراع العربي - الإسرائيلي، وبخاصة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية بالقدس أخيراً الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.اضافة اعلان
هذه السياسات باتت تتعارض مع المواقف الأوروبية ومصالحها الاقتصادية التي بدأت تتأثر بسبب السياسات الحمائية الأميركية والعقوبات التي تفرضها أميركا على روسيا و إيران والتي تضر، بشكل مُباشر، بمصالح الدول الأوروبية. باستثناء بعض الدول الأوروبية كإيطاليا مثلاً، فما زال الاتحاد الأوروبي متماسكاً في موقفة نحو القدس وحل الدولتين الذي تخلت عنه أميركا، وأصبحت السياسة الأميركية حيال القضية الفلسطينية نسخة عن سياسة نتنياهو المتطرفة. لقد حاولت فرنسا إعادة الاعتبار لفكرة حل الدولتين في المؤتمر الذي عقدته في فرنسا بحضور أميركا في عهد أوباما، ولكن استطاعت إسرائيل إحباط هذه المحاولة.
ولكن بسبب التطورات الأخيرة والتداعيات التي نتجت عن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها منتصف هذا الأسبوع، اتخذت بعض الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا موقفاً واضحاً ضد نقل السفارة الأميركية للقدس، ورفض الرد الإسرائيلي العنيف ضد التظاهرات التي خرجت من غزة باتجاه الحدود التي أدت لسقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى في الفترة الماضية.
السؤال المهم هو: هل تستطيع أوروبا اتخاذ موقف سياسي جماعي ضد السياسة الأميركية والإسرائيلية التي أعادت خلط الأوراق بسبب الخطوات الأحادية الأميركية التي تنذر بتدهور الأوضاع في المنطقة، ورفع وتيرة التوتر و ازدياد الاحتمالات باستمرار المواجهات العسكرية على أكثر من جبهة التي يمكن أن تهدد المصالح الأوروبية من جانب وتؤدي إلى فوضى غير معروفة نتائجها من جانب آخر؟.
من الصعب الإجابة بالنفي أو الإيجاب عن هذا السؤال، ولكن أيضاً غير متوقع أن تبقى أوروبا ترى مصالحها الاقتصادية والسياسية تتهدد، وتبقى متفرجة دون ردة فعل. تاريخياً ؛سلمت أوروبا دفة القيادة للنظام العالمي في القضايا المفصلية للولايات المتحدة، ولكن ذلك كان دائماً يجري ضمن توافق محدد يلتزم بالحد الأدنى من المحافظة على المصالح الأوروبية، ولكن يبدو الآن أن تعارض السياسة الأميركية والمصالح الأوروبية قد وصل إلى مراحل متقدمة باتت تهدد مصالح أوروبا، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
بريطانيا الحليفة التاريخية لأميركا وفرنسا التي تحاول أن يكون لها موقف مستقل عن السياسة الأميركية، رفضت، بشكل واضح، الخطوة الأميركية باتجاه القدس وحاولت ثني أميركا عن الانسحاب من اتفاقية المناخ، والاتفاق النووي الإيراني دون نتيجة.
ما زال  على الأقل بالعلن، الاتحاد الأوروبي متمسكاً بحل الدولتين وضد الاعتراف بالقدس  عاصمة لإسرائيل. وليس من المبالغة إذا قلنا إن موقف الاتحاد الأوروبي سيكون حاسماً في هذه المرحلة. فإذا  هو اكتفى بالإدانة للموقف الأميركي أو معارضته الخجولة أو بإدانة السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فإن ذلك سوف يساعد الولايات المتحدة وإسرائيل في المضي قُدماً في تقويض حل الدولتين، ونقل المنطقة إلى مرحلة جديدة من الصراع، والمتضرر  الأكبر من هذه السياسة ستكون أوروبا.
تتحمل أوروبا جزءاً كبيراً من المسؤولية التاريخية حيال القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور، ومروراً بالدعم المستمر لإسرائيل بالرغم من أنها تخالف القوانين الدولية بشكل دائم، وتتنصل من الاتفاقيات الخاصة بالقضية الفلسطينية.
أوروبا اليوم تستطيع أن تضع حداً لهذا التدهور في المنطقة، وذلك باعترافها بالدولة الفلسطينية وبالقدس الشرقية عاصمة لها. وبالرغم من صعوبة اتخاذ قرار كهذا، إلا أنه القرار الوحيد الذي يمكن أن يعيد التوازن للعملية السياسية في هذه المنطقة، وإنه في حال اتخاذ قرار كهذا والذي سيلقى تأييداً عالمياً واسعاً، فإنه كفيل بأن يضع حداً للانفراد الأميركي في تقرير مستقبل القضية الفلسطينية، فهل تفعلها أوروبا؟.