هل يمكن احتواء العاصفة؟

العاصفة في حدود التنبؤات السياسية والرسمية؛ مذكرات تتطاير لحجب الثقة والتصويت على قرار الحكومة الوشيك برفع أسعار الكهرباء، وتصريحات نارية لوسائل الإعلام بعد مقاطعة أغلبية نيابية للقاء رئيس الوزراء. على العموم، الخسائر لغاية الآن لا تزيد عن التوقعات.اضافة اعلان
لكن من يضمن أن لا تنقلب العاصفة إلى إعصار؛ أغلبية النواب في حالة هيجان، غير مستعدين لتقبل فكرة الرفع من أساسها، ومن خلفهم شارع لا يثق بوعود الحكومة.
والحكومة قدرية إلى درجة التصوف؛ لم تقدم للنواب والشارع غير خطة الرفع والاستثناءات. لا شيء بشأن الملفات الأخرى التي تؤرق الناس؛ تصبح وتمسي على حديث الكهرباء فقط. ومنذ اليوم الأول، جنحت إلى خيار الصفر؛ مستعد للرحيل اليوم مقابل رفع أسعار الكهرباء، لسان حال رئيس الوزراء، لدرجة دفعت بسياسيين إلى الاعتقاد بأن الدكتور عبدالله النسور يرغب حقا في "الرواح" مبكرا.
هل يمكن احتواء العاصفة؟
في نظر نواب وساسة، الأمر ما يزال تحت السيطرة، وبوسع الحكومة أن تعبر أزمة الكهرباء وتتجنب الإعصار. الوصول إلى محطة طرح الثقة تحت القبة ليس بالسهولة التي يتصورها البعض؛ هناك آليات دستورية وخطوات إجرائية لا يمكن القفز عنها، تتضمن مهلة زمنية للحكومة تستطيع من خلالها امتصاص حالة الغضب وتهدئة الأجواء، وصولا إلى تفكيك الأغلبية قبل رفع الأيدي.
يرد الكثيرون الأزمة بين الحكومة والنواب إلى عوامل عديدة، الكهرباء بينها مجرد صاعق لا أكثر. ثمة شعور بفجوة ثقة عميقة بين السلطتين، وعداء مستحكم في أوساط النواب تجاه الرئيس وصف من وزرائه، وحالة من الاستقواء غير المسبوقة على الحكومة والوزراء من طرف النواب.
جلسات المجلس الأسبوعية تشي بذلك، فلا تمر جلسة بدون مشاجرة نيابية أو صدام مع الحكومة على حد وصف نائب حالي.
التشكيلة "المصغرة" أرهقت الحكومة والرئيس، وسقوط خيار توزير النواب أزّم الموقف بين الطرفين.
قبل قرار الكهرباء، كانت علامات الإنهاك بادية على الحكومة. كان يمكن للتعديل الوزاري أن يعيد شيئا من لياقتها وحيويتها، لكن ترحيل الخطوة لما بعد قرار الكهرباء جعل من جسد الحكومة النحيل غير قادر على احتمال الصدمات، فما بالك بالعواصف الهوجاء. صورة الرئيس وهو يغطي وجهه بيديه قبيل الاجتماع مع النواب تختصر المشهد.
لكن المجلس في أزمة أيضا، وأشك في أن الأجواء ستتحسن إذا ما تغيرت الحكومة. أزمة المجلس تكمن في غياب التجانس بين مكوناته، وضعف الكتل النيابية، لا بل موتها السريري، وتقديم الشعبية على حساب الأداء المتزن. البرلمان صار مثل الشارع لا يجيد غير المعارضة. قد يبدو الأمر مفهوما بالنسبة لعامة الناس، لكن الاحتجاج ليس وظيفة النواب؛ واجبهم الأساسي التشريع والرقابة.
يستطيع المرء أن يتخيل أكثر من نهاية لأزمة الكهرباء: يمر القرار بعد عاصفة من الجدل؛ تسقط الحكومة ويبقى القرار؛ يعلَّق القرار برمته للعام المقبل وتهدأ الأجواء قليلا، والخيار الأخير مستبعد. لاحظوا أن كل الاحتمالات تنحصر في دائرة السياسة، لكنّ ثمة متغيرا آخر وهو الشارع، ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان؛ هناك فقط يصبح خيار تحول العاصفة إلى إعصار أمرا واردا. الفرضية هذه لا يمكن إهمالها، رغم علامات الهدوء البادية على الناس.