هل يمكن احتواء خطاب الكراهية في الإعلام العربي؟

تهاني روحي هل يمكن احتواء خطاب الكراهية في إعلامنا العربي؟ وهل يمكن لمواثيق الشرف الإعلامية والعقوبات أن تردع من يبث سموم التعصب والكراهية؟ أسئلة كثيرة دارت في نقاشات على مدار يومين في مؤتمر «إعلاميون ضد الكراهية» ونقاش عميق في كيفية احتواء هذا الخطاب. خلق فضاء للإعلاميين للتفكر في تبعات هذا الخطاب من قبل مجلس حكماء المسلمين والمركز الكاثوليكي للإعلام، كان موفقا في وقت بدأت باكورة الفعاليات ما بعد الجائحة والتي شهدت خطابات كراهية غير مسبوقة في فترة الوباء. وبما أنه لا يمكن فصل جوهر المشكلة عن النواحي الأخلاقية والدينية، إضافة الى التقنية فقد وفق منظمو المؤتمر من إيجاد حوار صادق حول المشاكل التي يعانيها المجتمع جراء بث سموم الكراهية في كل مكان وكيفية رفع درجة الوعي المجتمعي. فعلى عاتق الإعلاميين تقع مهمة تحديد السياق وتفكيك تلك الروايات المسيئة والبحث لفهم الدوافع للكراهية وكيفية تمت الاستجابة لها على مدار العام الفائت على الأقل في أثناء الوباء. أزمة كورونا عزلت العالم بطريقة غير مسبوقة. كما تسببت في موجات من العزلة للأفراد والجماعات الذين تأثرت حقوقهم مثل التمييز والوصم والازدراء والعنصرية. ظواهر لطالما كانت ضارة وكان من الصعب السيطرة عليها أثناء الجائحة. ولهذا يجب محاربة خطاب الكراهية باستراتيجيات إعلامية جديدة فيها ترسيخ لثقافة مجتمعية. وهنا يأتي أيضا دور قادة الأديان ومنظمات المجتمع المدني في زيادة التوعية ودعم معايير حقوق الإنسان، والحض على التسامح والوئام. وتصبح خطابات الكراهية مقبولة مجتمعيا عندما يستخدم الإعلام لغة (نحن وهم)، ونبدأ بتصنيف الآخرين بدرجات مختلفة ويتم تمييزهم بشكل خاطئ وخبيث بأنهم لا يستحقون الحقوق والمعاملة نفسها. لقد خلقت هذه اللغة من دون قصد مناخا للتعصب بأشكاله ودرجاته كافة تكون فيه الفئات المهمشة أكثر عرضة له. نحتاج إلى المزيد من الوعي كي لا نصل لوقت تصادر فيه حريات التعبير باسم الحد من نشر الكراهية، أو نجد فيه خطاب الكراهية ينشر سمومه في كل مكان باسم حرية التعبير. ولهذا فإن علينا مسؤولية كبيرة في الحد من هذا الخطاب. إحدى الطرق التي يمكننا بها محاربة خطاب الكراهية هي التحدث عن المساواة والشمولية والتنوع الذي هو غنى للمجتمعات كخط مضاد للتعصب بشتى أنواعه كسبب رئيسي للكراهية. وكلما استطعنا تقويض هذا الخطاب بقصص عن المحبة والتركيز على دور التكافل الاجتماعي والاقتصادي والتراحم والتعاون الذي أبرزته الجائحة كانت نتائجه واقعيا أفضل. وهذا يتطلب منا كإعلاميين تغييرا كليا في كيفية معالجة أمور مجتمعاتنا بالطريقة الإيجابية وفي سلوك تصرفاتنا وسلوكياتنا كأفراد أيضا. والحل لا يكمن في فرض قيود تلو القيود وهو دون جدوى على المحتوى. قد لا نكون قادرين على القضاء على الكراهية، ولكن علينا زيادة عدد الخطوات التي يمكننا اتخاذها لترسيخ ثقافة مجتمعية، وتجنب وجهات النظر الأحادية. بل على الإعلاميين أن ينظروا بشكل أعمق وأكثر فاعلية من خلال إطار عمل. وهذا يعني تحليل الخلافات التي يمكن أن تضر بعلاقاتنا وهياكلنا الاجتماعية. والسؤال المطروح، كيف يمكن أن يسهم الإعلاميون في بث رسائل إعلامية معاصرة بعيدة عن التنظير؟ وكيف يمكن النظر إلى العدالة على أنها مرتبطة بالإنصاف والبحث الحقيقي عن الحقيقة. وكيف تحرك العدالة فينا الرغبة والإرادة لتحسين مجتمعنا. إنها تنقلنا إلى ما هو أبعد من مستوى المصلحة الذاتية إلى التضحية بالنفس من أجل القضايا النبيلة. الموضوع صعب ولا يمكن اختزاله فهو متشعب، وقد نجح المؤتمر على الأقل في تأكيد جذور المشكلة مع أنه كان مدهشا أن ترى بعض الإعلاميين المشاركين ما يزالون ينكرون وجود هذا الخطاب وأن الكراهية تم القضاء عليها في الإعلام! الحلول تحتاج لأدوات جديدة ووعي جماعي بمستقبل مجتمعنا، والأساليب البالية لم تعد تصلح للولوج لعالم يعصف بمتغيرات إيدولوجية وعقائدية. ونتيجة لتأثير تيار القوى الهدامة في المجتمع، تختلط على بعض الأشخاص موازين الحق والباطل، لذا سيكون على الإعلام دور كبير في توجيه بوصلة الأفراد لتأكيد الطبيعة الخيرة للإنسان وتعزيز وبناء وتوجيه أفكارنا نحو ما هو خير لنا ولغيرنا. الوعي المتنامي بإنسانية مشتركة والذي يكمن تحت سطح هوياتنا المختلفة إنما يعيد إلينا النظر إلى حقيقة علاقاتنا مع بعضنا بعضا كشعوب وأمم. والوعي بأننا جميعًا جزء من عائلة إنسانية غير مجزأة هو المعيار الذي سنحكم به على جهودنا الجماعية للقضاء على خطاب الكراهية.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا

اضافة اعلان