هل ينفع قليل من التضخم؟

في أحسن فترات الأردن ازدهاراً ونمواً (1975-1984) عانى الاقتصاد الوطني من تضخم في الأسعار وكلف المعيشة وصل معدله حوالي 15 % خلال تلك الفترة.

وقد حقق الاقتصاد الأردني معدلات نمو بالأرقام الفعلية فاقت نسبة الـ (8 %) ولكن فترة الازدهار الثانية والتي كانت خلال السنوات (2004-2008)، كان معدل الارتفاع في الأسعار محدوداً، رغم أن الأردن حقق خلال هذه الفترة معدل نمو فعلي يقارب الـ (5 %) علماً أن المعدل السنوي لارتفاع الأسعار لم يتجاوز (3 %)، بخاصة أن الأسعار العالمية بقيت مستقرة حتى العام 2007.

إذن ما هو الدرس المستفاد من هاتين التجربتين المختلفتين؟ هل الأفضل نمو عالٍ مع كثير من التضخم (فوق 10 %)، أم نمو معتدل مع قليل من التضخم (3-7 %)؟ وحتى نصل الى الجواب الصحيح لا بد أن نطرح السؤال الكبير عن التباين بين المرحلتين؟

هنالك فرقان أساسيان؛ الأول هو أن نسبة البطالة في الأردن خلال الفترة الأولى (1975-1984) قاربت الصفر، أي إن الحكومة كانت تبحث عن موظفين فلا تجد منهم إلا من لم يجد وظيفة أخرى، بينما سعى الكثيرون للخروج من الحكومة للعمل لدى القطاع الخاص المحلي أو خارج الأردن.

أما خلال الفترة 2004-2008 فإن نسبة البطالة تفاوتت بين 10 - 13 %، وبقيت على حالها تقريباً حتى في السنوات التي وصل فيها معدل النمو السنوي الحقيقي حوالي 6 %، فهل يعود السبب الى ما يسميه الاقتصاديون بظاهرة (فيليبس أو منحنى فيليبس؟).

أي بعبارة مبسطة مَفَادُها أن ثمن الخروج من البطالة هو زيادة الارتفاع في الأسعار، وثَمن التخلص من التضخم هو زيادة نسبة البطالة؟ أعتقد أن هذا يفسر الأمر جزئياً.

أما التفسير الأهم هو أن نسبة العاملين في الأردن قد ارتفعت، وأن الحكومة بدأت تفقد تدريجياً قدرتها على التوظيف كملجأ أخير.

ولهذا، لم يعد باستطاعة الاقتصاد امتصاص العمالة الإضافية التي ترد الى السوق كل عام.

وأما الفرق الثاني بين الفترتين فهو ربط الدينار في الفترة (1975-1984) بسلة عملات تسمح لسعر الدينار بالتقلب ضمن حدود بسيطة حيال العملات الأخرى.

أما حالياً، فإن الدينار مرتبط بالدولار، والدولار في حالة صعود، وهذا يعني أن الدينار يرتفع سعراً مقابل العملات الرئيسية الأخرى عدا الدولار.

وينصحنا المدير العام لصندوق النقد الدولي، والذي زار الأردن أخيرا بأن نحافظ على ربط الدينار بالدولار من أجل الحفاظ على استقرارنا النقدي.

وفي هذا القول الذي يتطابق مع موقف البنك المركزي الأردني فوائد واضحة، ولكن هذا لا يعني أن القرار كله فوائد.

فارتفاع سعر الدينار سيعني مزيداً من الاستيراد، وامتصاصاً لأي آثار تضخمية يمكن أن تحصل، وتمتيناً للمديونية الداخلية بالدينار، وتقليلاً من حجم المديونية الخارجية بالدينار.

لا شك أن لنظرية السماح بارتفاع الأسعار قليلاً بعض الفوائد؛ إذ إنها قد تساهم في زيادة الحركة الاقتصادية، وتسمح للحكومة بأن تزيد من وارداتها، وتحسين وضع الخزينة.

وبالمقابل، فإنها ستفتح المجال أمام تحسين الأجور والتوظيف، هذا كله بافتراض حسن الإدارة المالية والنقدية.

قد يقول البعض إن هذا المقترح ينطوي على مخاطرة. وأقول نعم، ولكن أليس الاستمرار في الوضع الراهن مخاطرة أيضاً؟

علينا أخذ بعض المجازفات المحسوبة لتحريك الاقتصاد، بخاصة أن العالم بدأ يشهد انتعاشاً وارتفاعاً في أسعار السلع المستوردة.

فهل سنترك التضخم يفرض علينا من الخارج، أم أننا سنشعل حريقاً نقدر على السيطرة عليه حتى نمنع حريقاً أكبر يأتينا مستورداً من الخارج على شكل ارتفاعات في أسعار النفط والحديد والنحاس وباقي الأشياء؟

اضافة اعلان

أطرح السؤال للتفكير، وأحترم وجهات النظر حوله..