هل يوجد في العالم إيمان بالبرهان؟

قلما نجد في المعاجم اللغوية العربية، فرقاً يذكر في المعنى بين الإيمان والاعتقاد، فهما مترادفان، ويعنيان – دينياً – الاعتراف العلني بوجود إله واحد، كما هو الأمر عند أتباع الديانات التوحيدية، أو أكثر من إله كما هو الحال في الديانة الهندوسية، أو بغير هذا و ذاك في أديان أو عقائد أخرى. اضافة اعلان
إن الإيمان أو الاعتقاد هو ما يعتبره المؤمن أو المعتقد أكيداً. إنه تصديق قاطع بشيء ما، وإن كان لا يوجد دليل على صحة الإيمان أو الاعتقاد أو العكس. والإيمان هذا أو الاعتقاد ذاك ينتقل منذ الولادة أي من جيل إلى جيل بالتشريب والتنشئة والتربية والتعليم والإعلام... بما في ذلك الأبهار والإدهاش، وليس بالاختيار الحر من بدائل، وبعد تفكير وتأمل وتحليل ومفاضلة ومقابلة. وفي الإسلام لا تؤمن نفسٌ الا بإذن الله قال تعالى: "وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون" (10/100). لقد عجز عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – عن الإيمان بالدليل فقال: "اللهم إيماناً كإيمان العجائز".
وبمرور الوقت يتحول الإيمان أو الاعتقاد الذي تشربه الطفل ونشأ عليه، وتربى بصدفة المكان أو الزمان إلى هوية مركزية من هوياته الكثر.
هذا وقد يجعل التشريب والتنشئة والتربية والتعليم والإعلام المتعصبة الفرد يؤمن أو يعتقد، أو الجماعة تؤمن أو تعتقد أنه أو أنها تملك الحقيقة المطلقة، كما في كل الأديان، وإن كان كل من يدعي أنه يملكها كمن يعلن الحرب على بقية الأديان وعلى أصحابها لفرضها عليهم.
وفي الإسلام يمتنع على المسلم الردة عن دينه، وإلا استحق القتل، وإن كان الإسلام والمسلمون يقبلون فخورين ارتداد غيرهم عن أديانهم ويشجعونهم عليه للدخول في الإسلام، ويجعلون من ذلك علامة على تفوق الإسلام على بقية
 الأديان.
ها هو الإمام الشافعي يعلن الحرب على جميع العلوم، ما عدا علوم القرآن الكريم والحديث الشريف:
فكل العلوم عدا القرآن باطلةٌ ... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين.
العلم ما كان فيه قال حدثنا .... وما عدا ذلك أحلام الشياطين.
وحسب هذا الفهم الشافعي فإن علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والجغرافيا والفلك ... باطلة.
والإيمان أو الاعتقاد يختلف عن المعرفة، أي أن هناك فرقاً كبيرا بين أن تعتقد أن فلاناً في البيت، وأن تعرف أنه في البيت، ففي الحالة الأولى ليس لديك دليل سوى قلبك أو هاجسك. أما في الحالة الثانية فلديك دليل حسي أو برهاني عليه (Evidence Based). ولذلك يختلف الناس في العالم في الإيمان أو المعتقدات أو الأديان والمذاهب، ويظلون مختلفين فيها داخلياً وخارجياً، لأنه لا يمكنهم التوصل إلى إيمان أو اعتقاد أو دين واحد، ولكنهم يتفقون أو يجب أن يتفقوا في النهاية في المعرفة والعلوم والتكنولوجيا، وبخاصة في تلك التي تعتمد الملاحظة والتجريب والقياس والأدوات كالميكرسكوب والتلسكوب... والنمذجة والمحاكاة، أي التي تعتمد المنهج العلمي أو الشك المنهجي في الوصول إلى المعرفة نفسها، أو القانون العلمي نفسه، وإن اختلف أصحابها في الإيمان أو الاعتقاد أو الدين أو
 المذهب.
 وعلى الرغم من محاولة الإسلاميين إبان سيطرة التيار الإسلامي أسلمة العلوم والتكنولوجيا، التي لا يزال الأستاذ المحترم زغلول النجار يمارسها ويستفيد منها بالربط بين الدين والعلم، مع أن الربط بينهما يلقي بظلاله على الدين ويجعل العلم مرجعاً له وليس العكس، لأن حقائق العلم ونظرياته وقوانينه نسبية، أي ليست مطلقة أو حتمية كما في الدين، والا فليقل لنا الأستاذ النجار كم مجرة في الكون اعتماداً على القرآن الكريم، أو ما حجم هذا الكون اعتماداً على الدين، ولا ينتظر هو ومدرسته ظهور قانون علمي جديد أو تقنية جديدة لتفسيرهما بالدين. إنه لا يستخرج لنا من الدين قوانين علمية لم تكتشف أو تقنيات لم تخترع بعد. وكذلك يفعل "داعش" وأشكاله بنسبة أفعاله إلى الدين: قرآناً وحديثاً نبوياً وتراثاً سلفياً.
إن القرآن الكريم أو العهد القديم، أو الجديد... كتب دين، لا كتب رياضيات أو فيزياء أو كيمياء وأن جاء بعض نصوصها متوافقاً مع العلم، فالعلم كما يقول كارل بوبر هو كل ما هو قابل للدحض، وما لا يقبل الدحض فليس علماً، فالفرضية العلمية لا تُقبل ولا تُعتمد إلا بعد محاولة إثبات زيفها مرة ومرة ومرة... فإذا صمدت قُبلت واعُتمدت ولكن ليس كحقيقة نهائية. إن الفرضيات العلمية تبقى مؤقتة دائماً أي مفتوحة للمراجعة والفحص كما يجعلنا العلم بحاجة الى الأقران أو الزملاء الباحثين عن المعرفة، للفت انتباهنا إلى البقع السوداء في تفكيرنا، وإلا فالفرضيات ليست علمية وإنما "دوغما" كما يقول الأستاذ دونالد ر. بروثيرو في كتابه (Reality Check, 2013) أو كما يقول آخر: "العلم لا يصحح الطبيعة. إن الطبيعة هي التي تصحح العلم عندما يخطئ".
بهذا الفهم للإيمان أو الاعتقاد أو الدين لا يكون للبوذي أو الهندوسي أو المسيحي أو اليهودي أو المسلم... فضل أو ميزة على آخر في إيمانه أو معتقده أو دينه أو مذهبه، فكل واحد منهم "على دينه الله يعينه"، فعندئذ لا يبقى ثمة مجال للحديث عن أعداء إسلام أو أعداء المسيحية أو أعداء البوذية... لأن المصدر الأصلي أو الخفي لهذه العداوات هو الصراع على السلطة أو على المكان أو الزمان تحت عنوان الدين أو المذهب أو أي حجة أخرى.
بهذا الفهم للإيمان أو الاعتقاد أو الدين، يمكن أن يتحقق الاعتراف المتبادل والاحترام المتبادل والتعارف بين الشعوب والقبائل أياً كانت أديانها ومذاهبها، وتصبح لغة الخطاب إنسانية عامة محايدة عادلة، فضع نفسك مكان الآخر وصافحه قبل أن تفتح النار عليه وتقتله فقد يقتلك.
ملاحظة: قد يكون كلامي هذا صواباً أو خطأ لأنني لا أملك الحقيقة المطلقة لأدعي صوابه.