هو الإصلاح أيضا

تلقيت بعض الردود المتحفظة على مقالي السابق "من جديد الأردن أولا" (20/ 6/ 2014)، باعتبار أن هذا الشعار الغامض يضمر تغييرا في الأولويات والتخلي عن الإصلاح، بحجة المخاطر على أمن البلد. وهذا ليس صحيحا طبعا.اضافة اعلان
إن معظم المقال كان مخصصا لتوضيح اتجاهات المستقبل في البلدان التي تحيط بنا، والتي لا تنبئ بالخير، وتجعل استراتيجية حماية الأردن أولوية. وما تسرب عن تنظيم "داعش" خلال هذين اليومين، يوضح بسرعة أننا لن نكون خارج دائرة الاستهداف. وبعض التحرشات الحالية، إلى جانب المجاهرة العلنية هنا أو هناك بدعم "داعش"، تقرع ناقوس الخطر الذي يبدو أنه أقرب مما نتصور. وبهذا المعنى، فإن الجانب الأمني هو في غاية الأهمية أمام خصم من النوع الذي نراه.
وقد صدف أن المقال المقابل في نفس الصفحة للزميل محمد أبو رمان "النوم في العسل!"، تحدث عن نفس الوضع الإقليمي، منبها إلى أن المخاطر على الأمن والاستقرار تبقى بالأساس داخلية؛ فما عصف بدول عربية أخرى لم يكن المؤامرات الخارجية، بل الاختلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعليه، يبقى الإصلاح هو المهمة الرئيسة لحماية الأمن الوطني.
أفترض أن الأمرين يسيران معا؛ فالجهد الأمني والعسكري لن يكون كافيا أو بديلا لتحصين الجبهة الداخلية بالإصلاح والمشاركة وإحساس الناس بأن لديهم ما يدافعون عنه ويتمسكون به. وقد صدف أمس أن رجلا أطل من شباك سيارته الواقفة بموازاتي وشرح مشكلته لي، ثم صرخ: "هل يحلها النسور، أم ننتظر داعش؟!".
لنطرح خطابا وطنيا غيورا في مواجهة الظلاميين والإرهابيين، ولنتوعدهم. لكن، يجب الحذر من أي انزلاق إلى غطرسة السلطة. فيجب تظهير التوجهات لإصلاح سياسي جوهري؛ وأيضا أن يكون واضحا للناس، بطريقة أقوى، أننا مصممون على مواجهة المشاكل المعيشية والفقر والمعاناة، ومصممون على مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن الدراسات عن حال الطبقة الوسطى في الأردن، تُظهر تراجعا في حجم هذه الطبقة، وانحدار أطراف منها إلى خط الفقر. ودراسات دائرة الإحصاءات العامة عن مستوى الدخول والإنفاق، تُظهر اتساع الفجوات الاجتماعية، وهي تعزز بالأرقام ما نلمسه في الحياة اليومية من تفاقم للاختلالات؛ بازدياد الثراء إلى مستويات لم يعرفها المجتمع الأردني عند فئات، مقابل تراكم الصعوبات عند فئات أخرى. ويجب الاعتراف بأن البؤس والغضب الاجتماعي يتفاقمان. وأستطيع القول كنائب، إن الأغلبية الساحقة من المراجعات عندي هي لأناس يريدون عملا، والكل يشكو بمرارة وغضب من انعدام الفرص، وقد باتت الضغوط لا تطاق.
في الأثناء، تعدنا خطة لوزيرة التنمية الاجتماعية بخفض نسبة الفقر في الأردن إلى النصف (من 14% إلى 7%) بحلول العام 2020. وأنا لم أطلع على خريطة الطريق المطروحة للوصول إلى هذا الهدف، لكن حتما ليست مساعدات "التنمية الاجتماعية" هي التي ستفعل ذلك؛ بل تنمية اقتصادية عامة، وخلق للوظائف، وتدوير للدخل الوطني بصورة أفضل لتحسين الخدمات والدخول للجميع.