واقع المسيحيين في الأزمة السورية

رجال دين مسيحيون يعربون عن دعمهم للأسد في سورية - (أرشيفية)
رجال دين مسيحيون يعربون عن دعمهم للأسد في سورية - (أرشيفية)

كاترين غويسيت – (الإكسبريس) 01/08/2012

 ترجمة: مدني قصري

 

ما فتئ النظام السوري في دمشق يوحي منذ بداية الاحتجاجات أنه الضامن لبقاء الأقليات. فيما جرت معارك حول اثنين من الأحياء المسيحية في العاصمة. وحول هذا الموضوع، تحاول صحيفة الإكسبرس شرح القضية المسيحية في الأزمة السورية الحالية.
من هم مسيحيو سورية؟
إنهم شريحة تمثل ما بين 5 و10 ٪ من السكان في سورية. وكان المسيحيون قبل التعداد السكاني يقدَّرون في الماضي بحوالي 10 ٪، لكن أعدادهم صارت تتناقص بسبب الهجرة في السنوات الأخيرة، كما يقول زياد ماجد، المتخصص في الشؤون السورية. وتجدر الإشارة إلى أن الطائفة المسيحية تتكون من عدة مجموعات دينية، أهمها جماعة الروم الأرثوذوكس، وجماعة الروم الكاثوليك، والجماعة الأرمنية، وهناك أيضا جماعات الموارنة والسريان.
ويضيف ماجد إن مسيحيي سورية "يتواجدون بصورة مكثفة في المدن الكبرى: دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية". وهناك مسيحيون أيضا في البلدات والقرى المتوسطة، وكذلك في منطقة الحسكة في شمال شرق البلاد، وفي "وادي النصارى" في وسط البلاد، كما يضيف الباحث.
ما مكانتهم في الفسيفساء السورية؟
"للمسيحيين المتواجدين في هذه المنطقة منذ قرون عديدة قبل وصول الإسلام، شعور قوي بالانتماء إلى الأمة السورية"، كما يقول زياد ماجد. وهناك شخصيات تاريخية عديدة من رموز القومية العربية هي من الشخصيات المسيحية، أمثال ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث، أو أنطون سعادة، مؤسس الحزب الاجتماعي القومي السوري. وفي سورية، لم يتعرض المسيحيون لأي تمييز (على عكس التمييز الاجتماعي الذي عاني منه العلويون -وهم فرع من الإسلام الشيعي- قبل الانقلاب الذي جاء إلى الحكم بعشيرة الأسد التابع لهذه الطائفة)، كما أنهم لم يحصلوا على أي امتيازات خاصة"، كما يقول الباحث.
هل يساند المسيحيون السوريون النظام؟
لقد حاول نظام حافظ الأسد وابنه بشار الأسد استمالة "النخب الدينية لجميع الطوائف" (بما في ذلك رجال الدين السنة على سبيل المثال)، وقد منح الإذن بمعاملة تفضيلية للتسلسل الهرمي للكنائس المسيحية. وهكذا أعرب العديد من البطاركة عن دعمهم للسلطات، وفي ذلك ما يشوه الرؤية التي نكوّنها نحن من الخارج، عن الطائفة المسيحية. وهناك نجد بينهم، كما هو الحال في الطوائف الأخرى، خلافات في الرأي، وهناك ناشطون مسيحيون ينشطون في المبادرات المدنية والإنسانية الداعمة للثورة، لكن المسيحيين أصبحوا يدركون أكثر فأكثر، وفقا لزياد ماجد، أن استمرار القتال هو الذي يقود بالبلاد إلى الفوضى التي تشكل مصدر تهديد لجميع السوريين، بمن فيهم جماعات الأقليات.
هل هناك شخصيات مسيحية انضمت إلى المعارضة؟
هناك شخصيات مسيحية بارزة عديدة احتجت ضد خطاب نظام الأسد، كما تشهد على ذلك الدعوة التي وجهها في وقت مبكر من صيف العام 2011، اللاهوتي اليسوعي نبراس شهيد إلى أساقفة دمشق، وهي الدعوة التي نشرها فرنسوا بورغات، الباحث في المركز الوطني (الفرنسي) للبحث العلمي والمعهد الفرنسي للشرق الأوسط، ونشرها أيضا الأب اليسوعي ذو الأصل الإيطالي باولو دالوليو، الذي كان يشرف على إدارة دير مارْ موسى، والذي أجبر على مغادرة البلاد في شهر حزيران (يونيو) بسبب انتقاداته للقمع.
ومن الشخصيات الأخرى التابعة للطائفة المسيحية، والتي انضمت إلى المعارضة، البعثي أيمن عبد النور، الذي خاب أمله بسبب "التصرفات الرعناء الصادرة عن صديقه السابق بشار الأسد، والذي أسس جمعية "السوريون المسيحيون من أجل الديمقراطية".
كيف يوظف النظام مخاوف المسيحيين؟
يعرف النظام جيدا أن مسألة المسيحيين أو الدفاع عن العلمانية هي قضية حساسة في الرأي العام الدولي. ويقول فرنسوا بورغات محللاً لحساب موقع ميديابارت: "إن طائفية الأزمة سرعان ما فُسّرت كخيار وقِح من قبل النظام. إذ يعمل النظام على نقل الحرب إلى الساحة الطائفية والأمنية بعد أن خسرها على الساحة السياسية". ومنذ بداية الاحتجاجات في آذار (مارس) 2011، حاول النظام تخويف المسيحيين من الخطر الذي تشكله عليهم الأغلبية السنية (70 ٪ من السكان) في حال سقوط عشيرة الحاكم.. وكان المسيحيون، مثل غيرهم من الأقليات، "متحفظين دائماً أمام الأكثرية السكانية السنية"، كما يقول فرنسوا بروغات موضحاً لصحيفة الإكسبرس في شباط (فبراير) الماضي.
وقد استندت دمشق أيضاً إلى التجربة العراقية، حيث قام المسيحيون، ضحايا سوء المعاملة بسبب اتهامهم بالموالاة للغزاة الغربيين، بالفرار إلى خارج البلاد، وبأعداد كبيرة، على مدى العقد الماضي. لكن "المسيحيين، ليسوا هم الضحايا الوحيدون لعربدة العنف الذي أججته الحرب على العراق، ناهيك عن أن عمليات القتل بين الشيعة والسنة كانت وما  تزال فظيعة،" كما كما يقول زياد ماجد.
هل يستعمل بعض ممثلي المسيحيين كوسائط لدعاية النظام؟
نعم. "لقد اختار جزء من التسلسل الهرمي للكنائس المسيحية أن لا يتخلى علنًا عن الرؤية الفاضحة المغرضة التي تصف الاحتجاجات في سورية بأنها رد فعل مشروع فرضته مؤامرة العصابات المتطرفة المتسللة من الخارج، لإثارة حرب طائفية تهدف إلى تقويض الوحدة السورية لصالح أعدائها التقليديين"، كما يقول فرانسوا يورغات.
في شهر حزيران (يونيو) وخلال الاجتماع السنوي المنعقد في روما أعربت جمعية "رواكو" (اتحاد المؤسسات لمساعدة الكنائس الشرقية) لرئيس الأساقفة زيناري، القاصد الرسولي في دمشق، عن أسفها لما وصفته "الخطاب المثير للذعر" الصادر عن بعض "الأساقفة (أمثال جونبارت رئيس أساقفة حلب، والبطريرك اليوناني الكاثوليكي غريغوريوس الثالث)، أو من راهبات (أمثال الأم أنييس مريام دي لا كروا)" الذين يدعون بأن المسيحيين يتعرضون للمطاردة من قبل القوى الثورية التي تريد استئصالهم.
كما نددت جمعية "رواكو" أيضاً بـ"النشاط المزعوم للمطران فيليب تورنيول كلوس، الأسقف المزعوم لكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك اليونانية، الذي انتقد الطابع الإسلامي للتمرد، والمذابح المنهجية ضد المسيحيين. ولا يحمل هذا الرجل أي رتبة من المراتب التي يدعيها"، كما تقول بوضوح رسالة نشرتها في شهر حزيران (يونيو) شخصية مسيحية حضرت مؤتمر "رواكو" وامتنعت عن ذكر اسمها. وتقول الرسالة إن هذا الشخص "منبثق عن الأوساط الكاثوليكية الأصولية واليمينية".
هل سلح الجيش المسيحيين؟
يشهد الموقع الإلكتروني المسمى "كلنا شركاء في الوطن" والذي أنشأه الناشط المسيحي أيمن عبد النور على تكثيف المناورات المشتركة التي تلجأ إليها أجهزة الاستخبارات. وهو يصف، حسب إنياس ليفيرييه، الدبلوماسي السابق، وصاحب مدونة "عين على سورية"، توزيع الأسلحة في بعض الأوساط المسيحية رسمياً من أجل مساعدة أفراد هذه الطائفة "على حماية أحيائهم من الهجمات المحتملة التي قد تقوم بها العصابات الجهادية المسلحة"، وفقاً للتعبير المستخدم من قبل النظام في دمشق لوصف المتمردين. ومع ذلك، فإن بعض السكان الذين اقترح عليهم إنشاء مثل هذا النوع من الميليشيات رفضوا المشاركة فيها، كما يقول زياد ماجد.
ومع ذلك، يضيف الدبلوماسي إنياس ليفيرييه، في إشارة إلى موقع "كلنا شركاء في الوطن" يوم 24 تموز (يوليو): "في بلدة صافيتا الصغيرة التي كانت غالبية سكانها مسيحية في الماضي، والتي هيمن عليها العلويون تدريجياً مع مرور الزمن، قامت أجهزة الأمن المختلفة بمصادرة جميع الأسلحة التي كانت في حوزة بعض المسيحيين". وهذا دليل آخر، كما يقول الدبلوماسي السابق، على أن النظام السوري حريص على بقائه هو أكثر من حرصه وقلقه على محنة الأقليات ومصيرها.

اضافة اعلان


*نشر هذا التحليل تحت عنوان:
 Syrie: les chrétiens, enjeu de la crise

[email protected]