وداعا ياسر المصري

لم يكن غريبا على هذا الفارس البدوي الشهم والمعطاء؛ أن يترك كل شيء، ويقف لإغاثة جار أخيه. آثر على نفسه إلا أن يكون حاضرا لمساعدته بتصليح مركبته التي تعرضت لعطل ما. لكنه للأسف في تلك اللحظة فقد السيطرة عليها، فلقي مصيره وتوفاه الله.اضافة اعلان
هكذا غادر ياسر المصري الحياة فجأة. كان مشهده الأخير قمة في العطاء الإنساني، مصرا على أن يكون كما عهده الجميع؛ إنسانا في حياته كما في أدواره، فارسا نبيلا من شيمه مساعدة الغريب والمحتاج، والوفاء ورد المعروف، وتحمل الصعاب، والمحافظة على قيم نبيلة مهما تبدلت الحياة وتغيرت.
حياة الراحل المصري كأعماله، كلها عطاء ونبل وحب، وانسانية عالية. لحظة وفاته، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور الفنان الراحل، وفيديوهات ومقاطع مؤثرة من مسيرة أعماله الفنية التي تركت أثرها وبصمتها في وجدان المشاهد. اجتمع الجميع على حب هذا الفنان المهذب والخلوق والراقي بشخصيته وبأعماله وبثقافته الواسعة.
نثر العديدون كلمات الحب وألم الفقد والحزن والوجع على فنان أجمعوا بأننا سننتظر طويلا قبل أن تجود الساحة الفنية بواحد مثله في الإبداع والأسلوب الاستثنائي، وأيضا بالحضور القوي والسحر الغامض في شخصيته التي تتمتع بكاريزما خاصة نادرة.
النجوم الأردنيون والعرب سارعوا إلى رثاء المصري، مغدقين عليه الأوصاف التي لا تليق إلا به، مثل: الفنان النادر والوفيّ والخلوق، فما من شخص التقاه إلا وأحبه، وقد ترك المصري أثرا جميلا في داخلهم، لذلك عبروا عن صدمتهم بغيابه المفاجئ.
الفنان الراحل كان سفيرا للأردن في الوطن العربي، فأعاد الألق للدراما البدوية لتعود من جديد وتنافس الأعمال العربية في المحطات الفضائية الكبرى. ولعلنا جميعا قد أحببنا الممثل ياسر المصري سواء كان أميرا عربيا كنمر العدوان او ضابطا شهما كمحمد حمد الحنيطي أو قائدا تاريخيا كجمال عبدالناصر او شخصية تاريخية كـيحيى البرمكي.
لم يكن المصري ممثلا بارعا وموهوبا فقط، بل كان إنسانا استثنائيا استطاع في تجسيده للشخصيات أن يشعرنا جميعنا بأنه يشبهنا، قادر على ملامسة قلوبنا،  يأخذنا إلى عوالم الشخصيات التي كان يقدمها، والأهم أنه يعيدنا إلى زمن الشجاعة الذي بتنا نفتقده كثيرا في أيامنا هذه!
حجم الخسارة كبير جدا، ولا يمكن لكلمات أن تعبر عنه أو توفيه حقه فهو الذي عاش بيننا فارضا احترامه ومحبته على جميع من تعامل معه. نعم.. نحن غير بارعين في إظهار الحب للأحياء، ربما لأننا لا نفكر في إمكانية فقدانهم، لذلك لم نعرف كيف نعبر لك عن حبنا وفخرنا  كما يجب في حياتك، ولا قلنا لك كم عشقنا أدوارك، وكم كنا فخورين بأعمالك المحلية والعربية، وبإبداعاتك التي لا تتوقف.
وربما، أيضا، نحن لا ندرك قيمة من نحب إلا حين  يغيبون، فتتفجر المشاعر وقت الفراق؟!
ياسر يبعث إلينا اليوم برسالة تدعونا جميعا إلى أن نلتفت للمبدعين وهم بيننا، وأن نقدرهم ونحتفي بهم في حياتهم، وألا ننتظر فجيعة الفراق لندرك قيمة الإنسان، لأننا حينها لن نملك سوى الحسرة والألم.
ونعدك أن تظل حاضرا بيننا بروحك المحلقة، وبكل ما قدمته من أعمال لن تنمحي من ذاكراتنا ولا من وجداننا، فأنت الذي اخترت العطاء عنوانا حتى في آخر فصل من حياتك.