
رانيا الصرايرة
عمان- أوصت ورشة عمل دولية، عقدت أمس عبر الأون لاين، بضرورة توسيع مفهومي الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية في الأردن، ليشمل أكبر قدر ممكن من السكان، منتقدة اقتصار خدماته على العاملين بالأجر فقط.
واعتبرت الورشة التي عقدتها منظمة باث وي الدولية المهتمة بشؤون الحماية الاجتماعية، وشارك بها خبراء دوليون، أن الآثار الناجمة عن ثغرات نظام الضمان الاجتماعي، تحول دون تحقيق الأهداف الإنمائية الطويلة الأمد لبلدان المنطقة، مؤكدة ضرورة توسيع نطاق مخصّصات الضمان الاجتماعي لتشمل غالبية السكّان، عبر نظامٍ يستند إلى خطط قائمة على الحقوق لتغطية المخاطر الأساسية على مدى دورة الحياة.
وأشارت آراء المشاركين إلى أن نموذج الضمان الاجتماعي السائد في المنطقة بما فيها الاردن هو نموذجٌ منقسم لا يوفّر الضمان الاجتماعي لشريحة واسعة من السكّان الذين يتقاضون مداخيل متوسّطة – ولكنّها مع ذلك متدنّية وغير مستقرّة – أي ما يُسمّى بـ”الطبقة الوسطى المفقودة”، لافتةً أن استبعاد هذه الفئة الأساسية من الضمان الاجتماعي- والخدمات العامّة الأخرى – يُشكِّل تحدّيًا أساسيًا في البلدان ذات الدخل المتوسّط، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تراجع الثقة بالدولة، “فضلًا عن أنّه يتحوّل بشكلٍ مطّرد إلى مصدرٍ أساسي للاضطراب العام”.
ووفق ما خلص اليه المشاركون بالورشة فإن هناك حاجة ماسّة إلى تعديل الخطاب المتعلّق بتوفير الحماية الاجتماعية في المنطقة، للابتعاد عن النموذج القديم السائد الذي يرتكز على مفهوم إغاثة الفقراء، والانتقال نحو نموذج حديث وشامل للضمان الاجتماعي.
وجاء في الورشة ان خطط الضمان الاجتماعي تميل إلى توفير الدعم للعاملين في الاقتصاد الرسمي حصرًا، في حين لا يحصل باقي السكّان إلّا على برامج ذات نوعية متدنّية مُخصَّصة لـ “فقراء”.
وأوضحت مناقشات الخبراء في الورشة، ان نظام الضمان الاجتماعي الفعّال والشامل يعتبر مكوّنًا أساسيًا في أيّ اقتصاد ناجح ومستدام، ويُشكّل ركيزةً لإرساء عقد اجتماعي متين وتمهيد الطريق نحو مجتمعٍ متماسك، لافتين ان البلدان ذات الدخل المرتفع تستثمر ما معدّله 12 %، من الناتج المحلّي الإجمالي في أنظمة الضمان الاجتماعي التي تدعم الناس في كافّة مراحل دورة الحياة، بدءًا بالطفولة وصولًا إلى سنّ الشيخوخة.
وينصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنَّ الحصول على الضمان الاجتماعي هو حقّ أساسي من حقوق الإنسان، وهو ما اكد عليه المشاركون بضرورة توفير هذا الحقّ لكلّ شخص – وليس للعاملين في القطاع الرسمي حصرًا.
وقالوا “ربّما لم يسبق لهذه الحقيقة أن تجلّت بهذا الوضوح كما حصلَ في أعقاب تأثير جائحة كوفيد- 19 على الاقتصاد العالمي، والصحّة العالمية، والرفاه، فالبلدان التي استثمرت في إعداد أنظمة ضمان اجتماعي شاملة لكافّة مراحل دورة الحياة كانت مُجهَّزة بشكل أفضل
للتصدّي للأزمة”.
وتم عرض الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية خلال الورشة لتبين إنفاق الحكومة والجهات المانحة لـمبالغ طائلة على برامج سوق العمل المتعلقة بالتدريب ودعم الأجور والإقراض الميكروي، فيما اعتبرت ان هناك “ضعفا بتأثير هذه البرامج على زيادة نسبة الاحتفاظ بالوظيفة، أو الاستمرار بالعمل، أو تحقيق زيادة في الدخل على المدى الطويل”.
وعزت الاستراتيجية التي أطلقتها الحكومة مؤخرا انخفاض معدل نجاح برامج سوق العمل في الأردن إلى “التدريب قصير الأجل، كونه لا يغطي المهارات التي يجب تعلّمها في المدرسة، بالإضافة إلى أن دعم الأجور يؤدي لإحداث تشوهات في سوق العمل”.
وقالت إن معدل أجور العمال الفقراء عموما 250 دينارًا شهريًا، شاملا العمل الإضافي والمكافآت، في وقت ينفق فيه العمال نسبة كبيرة من أجورهم على وسائل النقل، مبينة أنه من غير المرجح أن يعمل الفقراء لحسابهم الخاص، مقارنة بالأكثر ثراء من الأردنيين، ويعزى ذلك جزئيًا، إلى المخاطر العالية المرتبطة بالعمل الريادي، ومستوى المخاطر المتزايد لديون الأسر.
ويعمل نصف العمال الفقراء، وفق الاستراتيجية على نحو غير منظم (غير مشتركين بالضمان الاجتماعي)، ما يعكسه توسع هذا القطاع، إذ ازداد التوظيف المستقر لكن غير المنظم من حيث الاشتراك بالضمان بين عامي 2010 و2016، من 20 % إلى 24 % من إجمالي العمالة، كما ازدادت العمالة غير المنتظمة (غير الملزمة بالاشتراك في الضمان لطبيعة عملها المؤقتة: 15 يوما في الشهر) من 1 % إلى 8 %.
وبينت أن الزيادة في طابع العمل غير المنظم، رافقها استمرار الحكومة في تبني سياسة فضفاضة تجاه هجرة العمالة الأقل تعليماً من البلدان منخفضة الدخل إلى الأردن، (إذ زادت حصة غير الأردنيين في العمالة من 16 % في العام 2004، إلى 36 % في العام 2015، ولأن العمال غير الأردنيين (الوافدون والأجانب) يستقرون على نحو دائم تقريبا في الأردن من دون أسرهم، فإنهم قادرون على العمل لساعات طويلة والإقامة في مكان عملهم، على العكس العمال الأردنيين.
وعن الإجراءات التي تقترحها لتعزيز العمل اللائق، تؤكد ضرورة تقديم مؤسسة الضمان آليات اشتراك مناسبة لتغطية العمال المؤقتين بدوام جزئي، على أن يعرض الآليات المقترحة من وزارة العمل/ مؤسسة الضمان على مجلس الوزراء لإقرارها مع نهاية العام الماضي كحد أقصى، وأن يكون تطبيق هذه الآليات (أو آليات الاشتراك في الضمان، وبحسب الحاجة) إلزامية من المنظمات والمؤسسات والجمعيات الحكومية وغير الحكومية.
ودعت الاستراتيجية الى نشر الوعي حول الآثار السلبية لعمالة الأطفال، وإعادة النظر في مسح القوى العاملة وجداول التحليل الصادرة عنه، لتحديد نسب عمالة الأطفال ومواءمة الفئات العمرية مع قانون العمل.