موفق ملكاوي
معالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمد أبو قديس، نبارك لك تبوأك المنصب الأعلى في منظومة التعليم الأردنية، والذي يتيح لك الإسهام بوضع سياسات التعليم، وتطوير المنظومة بأكملها.
لا شك بأنه المنصب الأهم في الأردن، غير أنه مني بخسارات عديدة خلال العقود الأخيرة، تحولت فيها عملية التعليم برمتها إلى مختبر يتم فيه التجريب على أبنائنا، ما ساهم في عدم استقرار كامل المنظومة، إضافة إلى تراجع جودة التعليم التي فاخرنا بها طويلا.
خلال العقود القليلة الماضية، ظل التعليم يشكل نقطة جذب كبيرة للجدل المحلي، وهو جدل لم يستقر على رأي نهائي، فقد تشتت وجهات النظر، حتى بتنا نرى التوصية ونقيضها في الندوة ذاتها، أو في الصحيفة أو الجلسة نفسيهما.
لكن، وعلى وقع جائحة كورونا، اتخذ هذا الجدل منحى مغايرا بشكل كبير خلال العام الماضي، إذ انحصر في معظمه حول ثنائية التعليم الوجاهي أو التعليم عن بعد، وخلط فيه كثيرون بين التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني الذي يمتلك كل واحد فيهما خصائصه، وهنا لست في صدد التفريق بين النوعين، وإنما التأشير إلى نوعية الجدل الذي ما يزال دائرا حتى هذه اللحظة.
بالتالي يا وزير “التعليمين”، سنقبل مثل هذا التأطير لو كانت مشاكلنا تنحصر فيه، لكن الثابت هو أن منظومتنا التعليمية برمتها تعاني اختلالات وسكونية وترهلا قبل جائحة كورونا التي بلا شك زادت من الاختلالات، وكشفت عن مزيد من التحديات.
الأمر يتعدى هذه المعضلة التي نعترف بلا شك بتأثيراتها الكبيرة، لكن حقيقة أن التعليم لدينا ما يزال يقبع في أدنى درجات سلم عمليات العقل يشكل تحديا كبيرا للمخططين الذين يتطلب منهم نقل المنظومة إلى تعليم القرن الحادي والعشرين، لا أن يظل في ردة مفصلية وإنكار لما عليه التعليم في العالم اليوم.
في نظامنا التعليمي، ما نزال نعلي من شأن عمليات التذكر كركيزة أساسية للتحصيل الأكاديمي، وهي عملية تتعارض بحدة مع نظرية المعرفة بسياقاتها العديدة، لذلك نرى طلبتنا بعيدين عن عمليات العقل الأساسية، وعدم القدرة على بناء الحجج والسير في سياق ربط المعلومات والتعامل مع البيانات من أجل تحويلها إلى معرفة.
برأيي، هنا يكمن واحد من أكبر التحديات في نظامنا التعليمي، والذي فشلت في تخطيه إدارات عديدة، أو أنها لم تضعه هدفا في عملها، فيما استمرت في تقديم معلومات مبتورة ومجزأة لم تسهم في تنمية التفكير، ولا في عملية البناء المعرفي لدى الطلبة، واستمرت في إدارة منظومة مشوهة تأتي كما لو أنها ازدراء للعقل وأنماط التفكير.
معالي الوزير: سنطالبك قريبا بقرارات صريحة وواضحة في هذا السياق، تنقذ فيها التعليم الأردني من المطب الذي وقع فيه خلال العقود الماضية. افعل ذلك لمصلحة أبنائنا، ومن أجل المستقبل. وإن لم يكن لديك أي حلول، فأولى بك أن تعتزل، قبل أن تكلف نفسك عناء البحث عن تبريرات مستقبلية حول الأسباب المحتملة للفشل المتوقع.
في ترتيب المنظومة التعليمية لا توجد معجزات، هناك فقط تفكير علمي يستند إلى قراءات للحاضر والمستقبل، نمنح الطلبة من خلالها إمكانات الوصول إلى مهارات تخدم هدفهم في أن يكونوا منافسين في زمن باتت المعرفة فيه أعلى درجة من التحصيل العلمي، والمهارة أكثر أهمية من الشهادة.
إن كانت لديك تصوراتك في كيفية ردم الهوة السحيقة في نظامنا التعليمي، فتقدم لأننا سنكون كلنا معك. أما إن كنت تطمح إلى تمضية فترتك الوزارية في التبرير والتسويف وعدم صنع أي فرق في هذه المنظومة المترهلة، فنصيحتي الصادقة: انسحب، لأنه ما من أحد أتى، مترددا، إلى الكرسي الذي تجلس عليه اليوم، وخرج مشكورا.