وسط بيئة غير صديقة: طلبة صُمّ لا يتلقون تعليما جيدا

رامي زلوم *

عمان- لا يقوى العشريني أحمد على الكتابة أو القراءة جملة كاملة بطريقة صحيحة، رغم تخرجه من قسم التربية الخاصة بدرجة البكالوريوس. اضافة اعلان
احمد كان -كما يفترض- قد حصل على تأسيس منذ طفولته بمدرسة متخصصة بطلاب الصم، تابعة لوزارة التربية والتعليم، كانت خياره الوحيد آنذاك، بعد رفض مديرة مدرسة مجاورة لمنزله استقباله في المرحلة الابتدائية، ذلك لعدم القدرة على التفاهم مع الوسط المجاور له.
لغة الإشارة كانت هي لغته الوحيدة خلال المدرسة للتواصل مع العالم المحيط به، حيث يجتمع وزملاءه الصم ويتواصلون ويشتركون بنشاطاتهم، ولا يوجد تواصل مع العالم المجاور لهم.
ثمة تحديات واجهت أحمد وزملاءه بعد الخروج من هذا العالم، ودخولهم إلى الثانوية العامة، حيث مواد الدراسة صعبة، ولا قدرة على التعامل معها، نظرا لفقدانهم العديد من المهارات لاسيما الكتابة والقراءة.
"لقد اعتدنا على الدراسة بطريقة حفظ المادة دون اي فهم او استيعاب والهدف هو النجاح في الاختبارات المدرسية لا اكثر"، يقول أحمد.
وللأسباب ذاتها لم تستطع الطالبة إيمان تعبئة نموذج القبول الموحد لاختيار التخصص الجامعي، فبعد المحاولة الثالثة لها اجتازت الثانوية العامة بمعدل 66 % متفوقة على زملائها من نفس المدرسة.
المشكلة الأساسية بالنسبة لإيمان، هي عدم تأسيسها جيدا في مراحل الدراسة الاولى، "كان هنالك إهمال وعدم مبالاة بطرق التعليم المتبعة، وضعف إتقان بتدريس لغة الإشارة مما يوصل المعلومات الخاطئة للطلبة ويربك فهمهم للمادة ".
صفر نجاح
يصل عدد المدارس الحكومية المعنية بالطلبة الصم وضعاف السمع إلى 11 مدرسة موزعة على محافظات المملكة، يندرج اغلبها تحت مسمى "مدارس الأمل للصم"، يتوفر في ثمانية منها التعليم الثانوي للفرع الأدبي فقط بعد إلغاء تخصص الإدارة المعلوماتية العام 2016.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لم ينجح أي طالب أصم في إمتحانات الثانونية العامة، في مدارس مأدبا واربد ولواء رصيفة، غير أن طالبا واحدا من أصل 57 في العاصمة عمان نجح بالامتحان، وطالب آخر من أصل 12 في الكرك، فيما نجح بالعقبة ثلاثة طلاب من اصل 9 ، اما في مدارس الكورة والطفيلة فقد نجح طالب واحد من ما يقارب 9 طلاب.
الغش مبرر
"يلجأ البعض من الطلبة الصم للغش في معظم الامتحانات، وفي بعض الأحيان يعتمدون على مترجمي لغة الاشارة المتواجدين في قاعات الامتحان لمساعدتهم بالاجابة او التأكد منها"، هذا ما قاله أحمد، الذي كان يتحدث بألم من هذا الواقع الذي ينم عن عدم اكتراث بواقع الصم، وعدم وجود خطة جدية لاستحداث حلول من قبل وزارة التربية.
مديرة مدرسة الأمل في عمان، ريما شديفات، ترجع أسباب تراجع مستويات الطلبة الصم العلمي إلى عدم تلقي هؤلاء الطلبة التأسيس الجيد في المراحل العمرية الأولى في المهارات اللغوية وقراءة الشفاه، وهذا يعتمد بشكل اساس على وعي الاهل واهتمامهم بتطوير طفلهم.
بحسب الشديفات، فإن المدارس المعنية بالصم وضعاف السمع جميعها تفتقر لتخصصات مهنية وصناعية، تلك التي قد تقدم فرصا أفضل مما هي موجودة، إضافة الى عدم توفر كوادر تعليمية مؤهلة بشكل جيد للتعامل مع الطلبة واتقان ترجمة لغة الاشارة.
ترى شديفات أن المنهاج التعليمي المعتمد لدى مدارس وزارة التربية والتعليم هو ذاته المستخدم في مدارس الصم، هو يعتبر "ضخما جدا وغير ملائم" لخصوصية طلبة الصم، كما ولا يراعي احتياجات وقدرات فاقدي السمع ويصعب ترجمته بشكل كامل بلغة الاشارة .
قبل ست سنوات، خرجت لجان مشكلة من قبل وزارة التربية لقياس مدى ملاءمة المناهج المعتمدة مع احتياجات الطلبة الصم بحزمة إجراءات، تضمنت إلغاء عدد من المصطلحات المعقدة والمواد الانشائية في اللغة العربية والانجليزية بالإضافة الى حذف مبحث الرياضيات.   
مدير إدارة التربية الخاصة في وزارة التربية الدكتور فريد الخطيب، يعلق بأن عمل هذه اللجان "مازال مستمرا للوصول إلى منهاج متطور يستوعب جميع إحتياجات هذه الفئة".
يبين الخطيب أن التحديات في تعليم الصم وخصوصا مهارات القراءة والكتابة هي تحديات عالمية، لا تقتصر فقط على الأردن،  وحيث تعود الأسباب إلى صعوبة ترجمة المادة الدراسية بلغة الاشارة بشكل حرفي، فهي تزود الشخص بالفكرة العامة عن المحتوى، وهذا يعتمد على مهارة وقوة تأسيس اتقان القراءة من خلال الشفاه بشكل جيد ليربط بينها وبين الاشارة الخاصة بها وبالتالي يصل الى المعنى الصحيح.
لمن يهمه الامر
بلغت نسبة انتشار الإعاقات السمعية وصعوبة السمع بين الأردنيين، ممن أعمارهم أكثر من 5 سنوات 3,1 % وفق تقرير واقع الاعاقة في الاردن 2017 الصادر عن دائرة الاحصاءات الاعامة والمجلس الأعلى لحقوق ذوي الاعاقة. كانت نسبة الذكور منهم بين الأردنيين 3,2 %، أما الإناث 3,1 %. وسجلت محافظة عجلون والطفيلة أعلى نسبة انتشار بنسبة 3,5 % لكل منهما.
الناشط والمدرب بحقوق ذوي الاعاقة السمعية إسلام الزغول، يعتقد أن من الضروري أن تحصن الوزرات نفسها بأساسيات لغة الإشارة والتواصل مع هذه الشريحة بشكل مباشر، والتعرف على المطالب والتحديات التي يواجهونها دون تدخل مترجم الإشارة.
يتضمن تقرير الظل الموازي الذي أعده مجتمع الصم الأردني المقدم للجنة الأممية المتبوعة بالإتفاقية الدولية الخاصة بحقوق ذوي الإعاقة، جملة من الحقوق المهدورة لهذه الشريحة في الأردن. تناولت المادة 24 المخصصة للتعليم غياب المعلومات الإحصائية الرسمية للأطفال الصم في المدارس العادية، ونقص الخبرة المهنية في تعليمهم.
يوصي التقرير الدولة بضرورة إجراء بحث تقصي حقائق لتحديد حالة أولئك الطلاّب الصمّ في مناطق الحضر والريف.
بادر مجتمع الصم بالرد على قائمة المسائل التي اوردتها اللجنة الأممية فيما يتعلق بحقوق ذوي الإعاقة السمعية، وطالت الردود 33 مادة وتساؤلا.
 يوضح الزغول أن من ألمهم تحديد أبرز المشاكل التي يوجهها الصم في مختلف الجوانب، وعرضها على الجهات المعنية في الدولة، لايجاد حلول جذرية تضمن الحياة الكريمة لهم.
وفق التقرير، لا توجد معلومات إحصائية رسمية متاحة من قبل الحكومة أو المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة بشأن مسألة الحصول على التعليم.
يقوم 20 طالبا من الصم، بإستئجار سيارة خاصة للوصول إلى مدرسة محلية للصم، تبعد حوالي 30 دقيقة عن منازلهم. ولم يكن عدد 20 طالبا كبيرا بما فيه الكفاية للمدرسة المحلية أو وزارة التعليم لتوفير حافلة للنقل، وفق رصد التقرير الموازي.
القانون الجديد
يوضح أمين عام المجلس الأعلى لحقوق ذوي الإعاقة، مهند العزة، أن التعديلات الجديدة على قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة "يتبنى مفهوماً شموليا للإعاقة حيث يأخذ بعين الاعتبار البيئة المعيقة للشخص بنفس الدرجة التي ينظر بها إلى حالة الإعاقة الجسدية أو الذهنية أو النفسية؛ فالبيئة المعيقة بهذا القانون باتت من عناصر تعريف الإعاقة، وأصبح لازما جعل البيئة المادية وغير المادية خاليةً من العوائق السلوكية والحسية لكي يتسنى للأشخاص ذوي الإعاقة التمتع بحقوقهم وحرياتهم على أساس من المساواة مع الآخرين".
يعرّف القانون مصطلح الموافقة الحرة المستنيرة  بـ"رضا الشخص بعد إخباره بطريقة يفهمها بفحوى وآثار ونتائج التصرفات القانونية وغير القانونية التي يتم اتخاذها له أو في حقه أو يعتزم هو القيام بها"، يقول العزة.
اوجب القانون على وزارة التربية توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة في المدارس الحكومية والخاصة، كما ينص على عدم ترخيص أي مؤسسة تعليمية إذا لم تتوفر فيها شروط امكانية الوصول. كما ويلزم القانون الوزارة قبول ودمج الأطفال ذوي الإعاقة في المؤسسات التعليمية ومنع استبعادهم من حق التعليم على أساس الإعاقة.

*بدعم من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" الكندية.