وعاملات المنازل أيضا

الردود المتوالية على ظروف ذوي الإعاقة تلقي الضوء على درجة الحضيض التي وصل إليها المجتمع. فإذا كان بالإمكان الهروب من المراقبة، فلتفعل ما تشاء.
المسألة لا تتعلق فقط بفئة معينة، بل تتعداها لتشمل الفئات المهمشة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها وإيصال صوتها للمسؤول الغائب. فرغم الفضيحة المصورة، لم يتحمل أحد بعد المسؤولية الأخلاقية.اضافة اعلان
ولن نهرب إلى التعميم؛ فالظروف التي تعيشها عاملات منازل، ضمن ما يمكن وصفه بعبودية القرن الحادي والعشرين، لا تختلف من حيث المضمون عن ظروف ذوي الإعاقة. فهذه الفئة تأتي ضمن شروط وقيود، وتعمل في البيوت، وتربي الأطفال، ولكنها ليست مؤهلة لأي حقوق فعلية سوى ما يرد في العقود التي لا تطبق. وفي العادة، يجري توجيه اللوم إلى الضحايا، أي عاملات المنازل؛ فهن اللواتي يهربن ويلجأن لسفارات بلادهن التي بالكاد تستقبلهن، ولم يسأل أحد نفسه لماذا  تنتشر هذه الظاهرة في الأردن المستورد؟ وخلال العقدين الماضيين، بات من شبه المستحيل على العائلات الأردنية العيش بدون "خادمة" في المنزل، وبعض البيوت يحتاج إلى أكثر من ذلك.
المقلق في هذه الظاهرة أيضا التعايش المحلي والمجتمعي مع كونها مسألة عادية! فخبر انتحار "خادمة" برمي نفسها من بلكونة "سيدها" لا يستحق سوى تعليق قصير في أسفل صفحة الحوادث. فهل هذا الوضع طبيعي؟ وهل المشاكل المرافقة لوجود عاملات في البيوت، ضمن الظروف الحالية، يمكن أن تصنف في باب الطبيعي؟ على الأرجح لا، ففي الدول الأوروبية التي توجد فيها نسب أعلى من التشغيل والجهد في العمل، لا نجد هذا العدد من العاملات بالنسبة إلى عدد السكان، أو بالنسبة إلى عدد العاملين.
وبالمناسبة، فإن نسبة مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل تعتبر الأدنى في دول الشرق الأوسط، وهي من أدنى النسب على مستوى العالم، ويوجد نسبة تعليم مرتفعة، فكيف نفسر أيضا وجود ما لا يقل عن مائتي ألف عاملة منزل في بلد تتجاوز نسبة بطالة النساء الشابات فيه 30 %؟
لا يوجد تفسير في المنطق الاقتصادي، بل يوجد تفسير اجتماعي لهذه الظاهرة التي يتحدث عنها الجميع ولا يطرح لها حلا. وللخروج من هذا النفق، يجب العمل على بعدين: الأول، يتعلق بتحسين شروط العاملات والعاملين في المنازل. وهذا مهمة وزارة العمل للتحقق من الظروف التي تعيشها العاملات وتطبيق ما يرد في العقود.
والبعد الثاني، يتعلق بكيف يمكن رفع كلفة الاستقدام، وهذا لن يعجب كثيرين؛ بحيث يصبح البديل المحلي يستحق التدريب والتأهيل والصبر لتغيير الواقع الاجتماعي الذي يرفض هذه المهنة من جهة، ويوفر معلومات حول سوق العمل من جهة أخرى.
الاستسلام للواقع والمجادلة بأنه لا يمكن تغيير الواقع يعنيان استمرار الحال على ما هو عليه بانتظار الفضيحة المقبلة، والقبول بأن الشعب الأردني لا  يحب العمل ولا يستطيع التغير. الظرف الاقتصادي والاجتماعي يحتم الخروج عن المألوف للعديد من الأسباب، ولننظر إلى دول العالم، وكيف تتكيف مع أزماتها، لعلنا نرسم الدروس.