وقاحة أميركية وانبطاح عربي

تبدو مهمة الإدارة الأميركية الحالية متمحورة حول هدف القضاء على أي أمل في تحقيق سلام وفق أي صيغة في المنطقة، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب "يتحفنا" بين فترة وأخرى بـ"جديده" في سياق هدفه هذا، وفي كل مرة يستهدف عملية السلام بضربة موجعة يجعلها بعيدة كل البعد عن أن تكون حقيقة. من الثابت أن الرئيس الأميركي الحالي لا يفهم طبيعة الصراع القائم، اساسا، على الأرض لذلك فهو لا يتورع عن أن يلحق الضرر البالغ بجميع مفاصل أو مفاتيح الحل في المنطقة، وعلى رأسها حل الدولتين الذي قبل به الفلسطينيون، مع أنه يمثل إجحافا كبيرا بحقوقهم التاريخية. الإدارة الأميركية تبدو ماضية بتنفيذ "صفقة القرن" التي بدأتها بنقل السفارة إلى القدس المحتلة، ثم بمحاولة الالتفاف على حقوق اللاجئين الفلسطينيين من خلال طرح إعادة تعريف اللاجئ، وغيرها من الخطوات، وصولا إلى تصريح وزير الخارجية مايكل بومبيو أول من أمس باعتبار المستوطنات في الضفة الغربية غير مخالفة للقانون الدولي، وهو الأمر الذي جوبه برفض أردني فلسطيني ومن الاتحاد الأوروبي أيضا. الجنون الأميركي يتصاعد، وترامب يعلن في كل مرة انحيازه المتواصل للاحتلال بشكل مستفز وسط غياب تام للعقلاء في الإدارة الأميركية، مع غطرسة إسرائيلية تتفاخر بقرارات واشنطن وتزيد من تشددها، بل باتت تجرؤ على الإعلان عن نوايا استعمارية جديدة بإعلان نيتها ضم أراضي غور الأردن، وهذا يعني أن المنطقة في طريقها إلى مزيد من التطرف الذي يتحمل مسؤوليته صناع القرار في أميركا ومن خلفهم إدارة نتنياهو اليمينية، والصمت العربي والإسلامي والدولي. شرعنة المستوطنات تتعارض مع القانون الدولي، والهوس الأميركي بطفلها المدلل بمنطقة الشرق الأوسط (إسرائيل) يضع المجتمع الدولي على محك المصداقية، وهو مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالدفاع عن الشرعية الدولية، والتعامل بجدية مع سياسة ترامب التي تؤجج الصراع العربي الإسرائيلي، وتترك المنطقة غارقة في الصراعات والحروب. العالم الإسلامي، أيضا، عليه رفع الرأس من الرمال والتحرك دوليا وفي كل المحافل من أجل إسقاط المشروع الصهيوأميركي لإنهاء القضية الفلسطينية، فمن العار الوقوف صامتين أمام المجازر التي ترتكبها واشنطن بحق هذه القضية التي تعتبر الأهم في آخر 100 عام. الدول العربية تواصل من جانبها تخبطها وردود أفعالها السلبية تجاه تصرفات الإدارة الأميركية المستمرة خارج الإجماع الدولي السياسي والقانوني والإنساني والأخلاقي، سواء فيما يتعلق بالأونروا أو مرتفعات الجولان المحتلة أو المقدسات الإسلامية ومحاولات تغيير هوية القدس المحتلة، أو بخصوص نقل السفارة الأميركية وإعلان نتنياهو عزمه ضم أراضي الغور أو المستوطنات. الخذلان العربي يدفع بهذه الإدارة إلى إطلاق العنان لغطرستها والإعلان عن قرارات تقضم حق الفلسطينيين بوطنهم التاريخي. القرارات الأميركية لن تتوقف عند هذا الحد، فما أعلن لم يكن سوى جزء يسير من "صفقة القرن"، ونتنياهو المأزوم بعد فشله في تشكيل حكومة إسرائيلية واقترابه من المحاكمة بتهم فساد لن يتوانى عن استغلال ذلك من أجل إعادة إنتاج نفسه سياسيا في الداخل الإسرائيلي، وترك الفرصة أمام هؤلاء يعني مزيدا من التغطرس والبطش. مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر لم يخطئ حينما قال لـ"الغد" تعقيبا على نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة "عندما نقلنا سفارتنا للقدس.. خشينا انفجارا وقوبلنا بالتثاؤب". وها هو التثاؤب العربي يتكرر مجددا، ولا نجد سوى صوت واحد هو صوت الأردن الذي يعلو في سماء القضية الفلسطينية بتأكيد المملكة موقفها الثابت والراسخ في إدانة المستوطنات الإسرائيلية ورفضها، واعتبارها خرقا للقانون الدولي. لكن هل هذا الصوت كاف وحده، فيما أصوات العالم العربي لم تخرج للفضاء بعد؟.اضافة اعلان