وكلاء كورونا على الأرض

كورونا لا يقتل البشر بل إنهم أنفسهم يقتلون، وكورونا ليسَ أكثر الفيروسات فتكاً، ولا هو أكثر الأسباب التي يموت بها الإنسان، فإن من يموت من الإنفلونزا في أميركا شهريا يتعدى الآلاف، ويموتُ شخصٌ في العالم كل 24 ثانية من حوادث الطرق، إلا أن أكثرَ من 80 ٪؜ ممن يصابون بفيروس كورونا قد لا يشعرون بإصابتهم، والنسبةُ الباقيةُ قابلةٌ للعلاجِ.اضافة اعلان
المشكلةُ الحقيقيةُ في كورونا أن العِلمَ لم يكن مستعداً له، فليسَ لهذا الفيروس مطعوم أو مصل يجعلُ علاجه سهلاً بسيطاً، وبسبب تأثيره على تنفس الإنسانِ؛ فإن الإصابةَ بهِ تحتاجُ علاجاً في المستشفيات، وإن هو انتشر في بلدٍ فإنه سيضعُ البنيةَ الصحيةَ تحت ضغطٍ كبيرٍ، حتى إذا انهارت هذه البنيةُ أدى ذلكَ إلى خرابٍ مطبقٍ للبلادِ وضياعٍ لحياة العبادِ، لا سمح الله.
لهذا، فإن الحكومةَ الأردنيةَ ـ يقودها جلالةُ الملكِ مباشرة ـ في مركزِ الأزماتِ تفعلُ كلَ ما تستطيعهُ وأكثر للسيطرةِ على انتشارِ الفيروسِ، وهي تضعُ كل إمكاناتِ الدولةِ وثرواتها، ومقدراتِ الوطنِ ومستقبلهِ لتحقيقِ ذلكَ، وإن أنتَ دققتَ - بعيدًا عن الإصاباتِ التي جاءت من الخارجِ ومخالطيهم-ـ، فإن أسبابَ انتشارِ الفيروسِ المحليةِ ناجمةٌ في أكثرها عن استهتارِ وانعدامٍ لحس المسؤوليةِ، وفيه الكثيرُ من العبثيةِ التي تنمُ عن قلةِ وعيٍ وعن إهمالٍ يصلُ حدَ المسؤولية الجرمية، ليس لكونهِ كسرا لحظرِ التجولِ، وتحدٍ للتعليماتِ فقط، بل أيضا لكونه نشرا للمرضِ وأذيةِ الناسِ.
حسب دراسة لمنتدى الإستراتيجيات الأردني؛ فإن تحدي الأردنِ يكمنُ في حصرِ الإصاباتِ ما استطاع، وبأن لا تتعدى حتى الأسبوعَ الأولِ من الشهرِ القادمِ المائتي إصابة، وهذا التحدي ليسَ سهلاً، بل صعب المنالِ إذا استمرَ استهتارُ البعضِ ومخالفتهِ للتعليماتِ. وخاصةً في ضوءِ ما حصلَ يومَ الجمعةِ الفائتِ؛ يومُ الجمعةِ كان فشلاً ذريعاً وقعنا بهِ جميعاً، وقد زاد مدةَ تعطيلِ البلادِ، فالطلاب لا يذهبون لمدارسهم، وزادَ الأمرُ على ربِ الأسرة ومنعهُ من الذهابِ للبحثِ عن رزقِ عيالهِ، وزادَ من الأعباء الاقتصادية للبلد في ظرف نحتاج فيه لكل مواردها المادية والمعنوية.
هل ينقصُ الأجهزةَ الأمنيةَ التعاملُ مع حوالي ألفٍ وستمائةِ مخالفٍ لتعليماتِ حظرِ التجولِ، بما يتطلبه ذلك من توفيرِ أماكنِ حجرٍ، ومحاكمةٍ، وطعامٍ وشرابٍ، والأهمُ زيادة فرصِ نشرِ المرضِ في البلادِ!؟ هل ينقصُ البنيةَ التحتيةَ في البلادِ مكالمات على خطِ الدفاعِ المدنيِ ليس لها علاقةُ بالطوارئِ!؟، هل يقبلُ أي منَا أن يكونَ وكيلًا للفيروس في الأردنِ يطبقُ أجندَته في العدوى والانتشارِ؟ من جانبٍ آخر يجب محاولةُ الوقوفِ على أي أسبابٍ قد اضطرت بعض هؤلاء للخروجِ من منازِلهم، فإن خرجَ بعضهم للضرورةِ، يمكنُ وضعُ خططٍ حكوميةٍ وأيضا مساندةِ من منظماتِ المجتمع المدني، لمواجهةِ الأسبابِ الاضطراريةِ التي تستدعي خروجَ البعضِ، نحنُ بصراحةٍ أمام تحدٍ وجودي. أن نكون أو لا نكون، والحكومةُ تجتهدُ ما استطاعت في أمرٍ ليس فيهِ سوابقُ مستقرةُ نتعلمُ منها، وتعليماتها وأعمالها لن تكونَ كاملةً، وهي في مجال التجربةِ والخطأِ، وتحتاجُ منَا الدعمَ والمساندةَ، والحقيقةُ أني لستُ معنياً بالحكمِ على الحكومةِ، ولا تقييمها ولا حتى تقويمها، المتوقعُ من الحكومةِ أن تنجحَ، وأن تنجحَ فقط، وحتى تنجحَ الحكومةُ تحتاجُ منَا المساندةَ باتباعِ التعليماتِ والمساندةِ بالرأيِ والمالِ، وكلُ ما يطلبه انتصارنا على هذه الجائحةِ حتى نخرجَ منها وننقذ الأُردنَ، و نُنقذَ أنفسنا وعائلاتنا.
ولكن من المنصفِ القولُ أنَ أعضاءَ الفريقِ الحكوميِ برئاسةِ الرئيسِ تألقَ كلٌ في موقعهِ، وزيرُ الصحةِ الواثقُ الصابرُ وزير الإعلام الصادق المتعاطف، وزيرا الصناعةِ والريادةِ الاستشهاديينِ، وزيرُ البلدياتِ المثابرُ، وزيرُ العملِ الهمامُ. ولا ننسى العميد المفلح صوتُ الحزمِ والأملِ والمواطنةِ الرفيعةِ، وكلُ من يقفُ وراء المشهدِ العظيمِ، والأداءِ الذي يرفعُ الرأسَ ويدعو للفخرِ والأملِ.
لقد تحدثَ جلالةُ الملكِ بعيدًا عن كلِ الصفاتِ، واختار صوتَ الأبِ وطلبَ من الأردنيين التقيدَ بالتعليماتِ، نعم إنه صوتُ الملك وصوت أسرنا وعائلاتنا، صوتُ الضميرِ والوطنيةِ الحقة ينادي الجميعَ بضرورةِ أن «نكونَ أقوياءَ ونطبقَ التعليماتِ فالوطنُ للجميع»، اليوم الخيارُ لك أن تكونَ مواطنًا مسؤولًا، أو أن تكونَ وكيلاً لكورونا على الأرضِ، فاهم علي جنابك؟!