العين هيفاء نجار *
ألقت جائحة كورونا بظلالها على مناحي حياتنا كافة، وأفرزت تحديات كبيرة على جميع المستويات، ولكن برغم ذلك كله سنتجاوز هذه الأزمة وتبعاتها، وسنحول تحدياتها إلى فرص، ومناخ تعلم جديد، ولا يتأتى هذا إلا بإرادة قوية وفكر مبدع وعمل جاد وصادق، وتوق كبير لنحيا الحياة، فأن نحيا يعني أن نبتكر المستقبل انطلاقاً من ابتكار الحاضر، وأن لا نكتفي بتغيير الجسر بل علينا أن نغير الضفاف، عندئذ سنكون قادرين على أن نبتكر أثيرنا الخاص.
اليوم ونحن نعيش أزمة كورونا والتعلم الإلكتروني عن بعد، أصبح لزاماً علينا أن نعيد النظر في مشروعنا التربوي بشكل تكاملي وعقلاني وأخلاقي وروحاني وجمعي وتعددي، مبني على فهمنا لتحديات الواقع ومتطلبات المستقبل وتطوراته المتسارعة. إننا بأمس الحاجة اليوم لإيجاد البدائل لهذا الواقع وعلى كافة المستويات، وعليه لا بد من وقف عزلة المدرسة الأردنية عن المجتمع وإعادة إحياء بعدها الاجتماعي والثقافي والإبداعي والروحاني لتصبح مكاناً لتنمية المجتمع وتطوير الإنسان ورفع مستوى عافيته.
لقد آن الأوان لتكون المدرسة الأردنية مختبراً حقيقياً للبحث والتجريب، ومشغلاً للابتكار، وفضاء للتعلم المستمر، وذلك من خلال تطوير منظومة الإبداع والابتكار، وتحويل صفوفنا إلى مشاغل ومحترفات، وبيوتنا إلى أماكن تعلم داعمة تنبض بالحياة، وخلق شراكة كاملة بين البيت والمدرسة، وبين المدرسة والمصنع، وبين المدرسة ومراكز البحث والإبداع والاختراع والابتكار. ومن هنا لا بد من أن تبنى مناهجنا على طرح الأسئلة والبحث، لأن طرح الأسئلة والبحث المستمر عن الأجوبة هما اللذان يجعلان من الإنسان متعلماً مرناً خلاقاً منفتحاً، إن التعلم القائم على البحث والاستقصاء هو التعلم الذي يعزز بناء الشخصية، ويعمق فهمها للأشياء والأحداث من حولها، وبالتالي ربط القضايا ببعضها البعض واستيعاب العلائق التي تحكمها. إن هذا الشكل من التعلم مع توفر منصات إلكترونية فعالة تجعل من التعلم عملية جماعية تشاركية بين الطلبة أنفسهم من جهة، وبينهم وبين المعلمين والأهل من جهة أخرى، إذ إن التعلم عن بعد يوفر مجالاً واسعاً للخبراء والمختصين والمعلمين والطلبة من مدارس مختلفة لبناء حوار علمي واسع ومعمق، فيصبح كل متعلم مسؤولاً عن تعلمه، متأملاً وناقداً ومتفاعلاً مع ذاته ومع الآخرين بصورة فعالة.
إن أساس العملية التعلمية هو التفكير والتأمل في الحياة ومتطلباتها، وقد حان الوقت لنعلم طلبتنا التعمق بمفاهيم علمية جديدة تتعلق بالاقتصاد والإنتاج والتجارة، وحثهم على الإنتاجية ومحاربة الاستهلاك ورفض الحلول السهلة، وتجاوز الطرق التقليدية، والبحث عن الطرق الإبداعية في حل المشكلات، ليصبح الطالب الأردني قادراً على فهم نفسه وتقدير ذاته وتقييم احتياجاته. إن تبني مناهجنا لتدريس المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد والمال والنقد والاستثمار والشركات الربحية وغير الربحية، وفهم العلاقات المجتمعية والحياة السياسية وتاريخ الأردن الحديث والقديم، أمر ملحّ ومهم من أجل أن يكون الطالب قادراً على تلمس مهنته وهو ما يزال على مقاعد الدراسة. وعلينا أن نولي الأطفال اهتماماً كبيراً، ونؤمن أن كل طفل هو باحث ومخترع وفنان، وأن أي خلل في عملية تعلمه ابتداء من مرحلة رياض الأطفال هو خسارة لإبداع جيل كامل وهدر لإنتاجيته. أما المعلم الأردني، فله حديث خاص في المقالة القادمة، فهو يستحق منا الشكر والتقدير والوفاء على صموده الاستثنائي خلال فترة التعلم عن بعد، والتي تتطلب تدريباً مسبقاً وأسلوباً تعليمياً جديداً وأفكاراً إبداعية خلاقة.
وفي الختام لا بد لنا من الإشارة إلى أهمية التأمل والتفكير في هذه المرحلة، نعم فالصمت التأملي يجب أن يكون برنامجاً خاصاً في المدرسة والبيت أيضاً، كما لا بد من أن تكون مهارة التفكير التأملي فعلاً يومياً، فالمدرسة مركز لعافية الإنسان التكاملية على مستوى الصحة النفسية والجسدية، وسلامة العقل والقلب والروح، ومركز أيضاً للعلاقات الإنسانية الجميلة.
قد نتعب لكننا لن نيأس، لأننا نعمل من أجل الإنسان وبهائه، ولأننا لا نذهب إلى مكان، إنما نسافر إلى زمان، هو المستقبل الذي نحلم به، ولذلك علينا أن نقرأ الواقع الذي أفرزته هذه الجائحة وتداعياتها قراءة تمعن وتأمل لنكون قادرين على شق طريقنا نحو المستقبل بثقة وعزيمة، فالربيع قادم لا محالة.
- المديرة العامة لمدرستي «الأهلية» و«المطران»