"يافا للأبد": كتاب يؤرخ للمدينة قبل سقوطها

عزيزة علي

عمان - شكل البرتقال في يافا مساحة واسعة للسجال، إذ لم يكن البرتقال يتحكم في حياة أهل يافا المالية والاجتماعية، فحسب، بل تعداها نحو الوسط الإعلامي، وأعظم "المعارك" الصحفية التي جرت كانت بين جريدتي "الدفاع" و"فلسطين" في العام 1946، بسبب خلاف نشب بين مصدري البرتقال "زرعي" حول زيادة أسعار المنتوج، بحسب ما جاء في شهادة الإعلامي ناصر الدين النشاشيبي.
جاءت هذه الشهادة ضمن كتاب بعنوان "يافا للأبد"، قدم فيها النشاشيبي سيرة يافا من خلال ثلاث شخصيات عايشت تلك المعارك وغيرها من المعارك السياسية، وهم "ناصر الدين النشاشيبي، صلاح إبراهيم الناظر، ومحمد سعيد اشكنتنا"، فيما جمع هذه الشهادات وقدمها عدلي مسعود الدرهلي، والذي أماط اللثام عن جزء كبير من تاريخ يافا. يتحدث الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، والذي جاء باللغتين العربية والانجليزية، على ألسنة من عاصروا سقوط يافا من إعلاميين وضباط جيش وصحفيين. مؤلف الكتاب عدلي الدرهلي، قال إن الكتاب موجه بالدرجة الأولى للجيل الذي ولد بعد حرب العام 1948، وهاجر إلى الدول الأوروبية وتحديدا أميركا. واضاف إنه مهتم بهذا الجيل الذي "لا يقرأ باللغة العربية ولا يعرف أي شيء عن تاريخ القضية الفلسطينية، ولا كيف سقطت فلسطين ويافا".
وتعد يافا من أقدم وأهم مدن فلسطين التاريخية، وهي مدينة السحر والجمال والبرتقال الحزين، وعاصمة الساحل الفلسطيني الغافية على البحر المتوسط، وعروس الكنعانيين الضاربة جذورها في العمق. كانت قبل النكبة عاصمة فلسطين الثقافية بدون منازع، واحتوت على أهمّ الصحف الفلسطينية اليوميّة وعشرات المجلات ودور الطبع والنشر، إلى جانب احتوائها على أهم وأجمل دور السينما والمسارح والأندية الثقافية في فلسطين.
وشدد المؤلف على ان الكتاب يقدم معلومات حقيقية "لجيل تربى على الثقافة الغربية"، والهدف الثاني منه هو "كشف أسرار سقوط فلسطين في يد العدو الصهيوني دون مقاومة عربية"، مشيرا إلى أن الجيوش العربية عندما شاركت في هذه الحرب لم تكن تمتلك "استراتيجية واضحة، وكانت تتخبط، ولم تكن تملك خرائط تعرف بمداخل ومخارج فلسطين، ولا شرقها من غربها وشمالها من جنوبها".
وأوضح الدرهلي الذي هاجر من يافا بعد نكبة 1948، إلى الإسكندرية، ثم عمان، فالكويت ثم العودة إلى عمان "ذهب بعض الجيوش العربية أثناء الحرب إلى بلدية غزة، وكان هناك موظف اسمه سعيد السقا في قسم المساحة قام بتزويدهم بخرائط ومخططات ومعلومات تدلهم على التجول في أرجاء فلسطين".
وأشار إلى أن أهالي يافا كانوا يبحثون عمن يبيعهم السلاح لمقاومة الصهاينة. واضاف "عندما كان الأهالي يبحثون عن البنادق للدفاع عن المدينة كان يقال لهم إن الدول العربية ستدافع عن فلسطين وسوف تساعدكم في صد الجيش الصهيوني"، لافتا إلى أن "الشعب بقي ينتظر ولم تصل الجيوش العربية، وسقطت يافا وسقطت معها كل المدن الفلسطينية".
الإعلامي المقدسي ناصر الدين النشاشيبي يقدم في هذا الكتاب شهادة حول قصته مع الصحافة في يافا، يقول فيها "يافا بلد البرتقال، والزهر والحب، والصحافة، وهي مقر أشهر إذاعات الحرب العالمية الثانية والمعرفة باسم "الشرق الأدنى للإذاعة العربية"، وكان يعيش فيها أكبر الأدباء وأشهر الفنانين منهم "عباس محمود العقاد، وسامي الشوا، وإبراهيم عبدالقادر المازني، وسليم اللوزي، وفريد الأطرش، والاخطل الصغير، وأيمن نخلة، وحليم دموس، ومحمد عبدالمطلب".
ويوضح  النشاشيبي انه عندما يأتي موسم "البرتقال" كانت حياة يافا تتضخم بالثروة والمتعة وليالي الأنس، وكان أهلها يحبون الطرب والسهر، والغنى على مسارح يافا السيدة "أم كلثوم"، "محمد عبدالوهاب"، "فريد الاطرش"، وقدم عميد المسرح العربي "يوسف وهبي"، "الفرقة القومية"، "نجيب الريحاني"، "علي الكسار"، "إسماعيل ياسين".
ولفت إلى أن معظم أهل يافا كانوا من أصل مصري، وكبار العائلات اليافوية كانت من أصل مصري مثل عائلات "عبدالرحيم، أبو لبن، العمير وعياد".
صلاح إبراهيم الناظر يتحدث عن سقوط يافا بيد الصهاينة  وعدم تكافؤ القوات العربية مع قوة العدو، و"عدم اهتمام اللجنة العسكرية بأمر يافا الاهتمام المطلوب". ويقدم قراءة في البرقيات التي ارسلها "ميشيل العيسى" إلى "فوزي القاوقجي"، واللجنة العسكرية عن حالة يافا.
يستعرض محمد سعيد اشكنتنا ما جمعه من أسرار حول سقوط يافا، مشيرا إلى طوبوغرافية المدينة وميزاتها، وبداية المأساة والشعور بالخطر، وكيف تألفت لجان القومية وكيف بدأ الخلاف والفوضى تعم اللجنة بعد تشكيل مجلس أمن يافا، وكيفية الحصول على السلاح، إضافة إلى قادة المناطق العسكريين. ويكشف اشكنتنا ما كتبه مناحيم بيغن في كتابه بعنوان "الثورة"، كيف سقطت يافا ودور الجيوش العربية في ذلك الوقت.
جاء الكتاب في ثلاثة أجزاء؛ الأول بعنوان "قصتي مع الصحافة"، يتحدث فيه النشاشيبي عن أجمل ما يمكن أن يكتب عن مدينة يافا التي كانت فيها بداية عمله الصحفي وانطلاقته في هذا الميدان.
بينما يكشف الجزءان الثاني والثالث عن الحقيقة المؤلمة التي أخفيت عن تاريخ يافا، ويرويها الناظر الذي عايش نهاية مدينة يافا بوصفها مدينة عربية في تقريره "سقوط يافا"، إضافة إلى تقرير اشكنتنا بعنوان "أسرار سقوط يافا".

اضافة اعلان

[email protected]