يا للجمال.. أولاد موتى

هآرتس

جدعون ليفي

23-07-2004

هذا هو العدد، وهو صحيح إلى أول من أمس. 155 ولدا. وفي صباح أمس قتل ثلاثة آخرون، أي بمعدل عشرة أولاد كل يوم. وهو أكبر من عدد مقاتلي حماس الذين قتلوا، كما تقول الأمم المتحدة. وقد نشر مركز الميزان لحقوق الانسان أسماء 132 منهم. وعرضت صحيفة "تلغراف" البريطانية أمس قائمة الموت وذُكر فيها أسماء الأولاد وتواريخ قتلهم، تحت صورة تُظهر أعمارهم: رُضع في قُمط، وأولاد وفتية، وكل ولد مع الاسم الذي أعطاه إياه والداه. فبتول ابنة الأربع، وسهيلة ابنة الثلاث، وبيسان إبن الستة الاشهر، وسراج ابن الاربع، ونور ابنة السنتين – وهم الصغار بين 25 من أبناء عائلة أبو جامع التي أُبيدت مع 127 إسما آخر.اضافة اعلان
إن هذه القائمة لا تكذب: فعملية الجرف الصامد هي "الرصاص المصبوب 2"، التي ستفوقها بعد قليل بفظاعاتها. ولم تنشر هذه القائمة في صحيفة هآرتس ولن تنشر أيضا فلا مكان لها لأننا في حرب وحماس تتحمل تبعة موتهم. وطيارو سلاح الجو لم يقصدوا قتلهم.
لكن لا تخشوا لأنه لو نشرت القائمة لما قبلتها أجزاء واسعة من الرأي العام المغسول الدماغ والمتحمس في بلادة حس بل في فرح ظاهر وإن كان يصعب على العقل أن يصدق. "كان هتلر أيضا ولدا"، هذه كتابة رُشت بها كتلة مكعبة اسمنتية عند مدخل نتيفوت.
في موقع "والله! للأخبار" المدونات على أثر قتل الأولاد الاربعة على شاطئ غزة. شنيه مويئيل: "يهم مؤخرتي أن قُتل أولاد عرابيش (مصطلح عبري يدمج بين كلمتي عرب وجراذين- تحرير الترجمة)، من المؤسف أنه لم يُقتل أكثر. كل الاحترام للجيش الإسرائيلي"؛ وستاف سباج: "الحقيقة أنها صور مفرحة. ولكثرة ما تفرحني يخطر لي أن أشاهدها مرة بعد أخرى"؛ وشارون أفيشاي: "هل أربعة فقط؟ إنها بعصة. كنا نتوقع أكثر"؛ ودانييلا ترجمان: "إنها لذة. يجب قتل الأولاد جميعا"؛ وحايه حتنوفيتش: "لا صور أجمل من أولاد عرب أموات"؛ وأورنا بيرتس: "لماذا اربعة فقط؟"؛ ورحيل كوهين: "لا اؤيد أن يقتل أولاد في غزة. أنا مع أن يُحرق الجميع"؛ وتامي مشعان: "ليمت أكبر عدد من الأولاد".
وكلهن نساء يظهرن مع أسمائهن وصورهن. وهن يشترين من الحانوت قرب اماكن سكنهن ويذهبن معكم إلى السينما ويسافرن معكم للاستجمام. وهن إسرائيليات. ولا يفكر أحد في إقالتهن من اماكن عملهن كما يفعلون الآن بالعرب واليساريين؛ ولا ينبذهن أحد ولا يهاجمهن ولا يهددهن. فهن عاديات بحسب المقياس الإسرائيلي الذي تعتبر الشفقة والانسانية نحو الطرف الآخر فيه خيانة، ويعتبر التحمس للموت شعورا وطنيا فخورا.
لكن لماذا ينصب نقدنا على نساء المدونات؟ أصغوا إلى حديث الجنرالات والساسة والمحللين الذين يقولون الكلام نفسه تقريبا مع حلاوة اللسان.
ما كان هذا الخطاب الشيطاني ليكون كما يبدو في أية دولة أخرى. وحتى لو كان الحديث عن ردود متطرفة على نحو خاص فإنها تحسن التعبير عن روح العصر. ولا يوجد إسرائيليون كثيرون يحاولون أن يتخيلوا أن هؤلاء الأولاد القتلى الـ 155 أبناؤهم. وأن ينظروا في وجوههم وأن يفكروا في مصيرهم وفي حياتهم البائسة وفي موتهم.
يقاتل الجنود الإسرائيليون ويُقتلون الآن في غزة، وقلب الشعب مصروف إلى القلق والخوف عليهم. ولا يوجد شيء مفهوم وطبيعي وانساني أكثر من ذلك. وما زالت القذائف الصاروخية تسقط أيضا. لكن إلى جانب هذا القلق، يسجل العدم المطلق لشيء من الشفقة على ضحايا الطرف الآخر حتى لو كانوا أولادا يُقتلون بأعداد مخيفة، يسجل رقما قياسيا آخر للعار حتى في كتاب الارقام القياسية الإسرائيلي.
إن الصور التي تأتي من غزة – لا إلى وسائل الاعلام الإسرائيلية حيث تُعرض بصورة عرضية وكأنما لابراء الذمة – كان يجب أن تزعزع كل إسرائيلي. وربما كانوا في غزة أيضا يفرحون الآن لموت أولاد إسرائيليين؛ لكن لا يوجد مثل هؤلاء لعظيم الفرح. ولو شهدنا ذلك لزُعزعنا وبحق. لكن يجوز تجاهل قتل بالجملة لعشرات الأولاد الفلسطينيين يوما بعد آخر بل أن نبتهج لذلك لأن "هتلر أيضا كان ولدا".