يتحاربون مشاريع وطوائف

يستمر نفي وقوع الحرب الأهلية في لبنان، حتى لو دخل مقاتلو المعارضة على قصر قريطم (مقر إقامة سعد الحريري ) ومروا  بعدها على السراي الحكومي. ومع أن النفي ينطوي على حسن نوايا تجاه لبنان إلا أنه تعام عن الواقع وإنكار لوجود حرب بدأت مع اغتيال رفيق الحريري.

اضافة اعلان

ومثل كل الحروب الأهلية التي شهدها لبنان والمنطقة يتضافر فيها ما هو أهلي ينتسب إلى ما قبل وجود الدولة، مع ما هو دولي ينتمي  للعالم الحديث بتحالفاته واستقطاباته وأدواته. فعندما تشاهد عمامة السيد حسن نصرالله تخال أنك في فيلم تاريخي، لا يسبقه إلا فيلم  تظهر فيه قلنسوة غبطة  البطرك صفير. ولا يستثنى من ذلك وليد جنبلاط  وقصر المختارة الذي تحول أمثاله إلى متاحف في كل دول العالم. وفي قلب بيروت الحديثة يوجد "شيخ"  في قصر قريطم  له عزوته.

الخلاف بين تلك القوى البدائية المنتسبة إلى ما قبل الدولة ليس على مرعى ولا على حمى ومضارب، إنه صراع في قلب المعادلة الدولية الحديثة. والشرارة كانت شبكة اتصالات ومطار. إنها حرب المشاريع الكبرى، وباختصار حرب أميركا وإيران.

سبق أن شهد لبنان حرب مشاريع كبرى. وكانت انحيازات الطوائف فيها مختلفة. فالذين تصدوا للمشروع الأميركي سابقا هم الحركة الوطنية التي قادها كمال جنبلاط، وكان التحالف في الخمسينات بين المسلمين بطوائفهم: سنة وشيعة ودروز  من جهة والمسيحيين بطوائفهم من جهة أخرى. وفي السبعينات دخلت "طائفة" الفلسطينيين الصراع باعتبارها جيش المسلمين. وفي ظلال فتح نشأت حركة أمل وفي معسكراتها تدرب الشهيد عماد مغنية القائد العسكري السابق لحزب الله.

ينقسم لبنان على مشروعين في المجمل: المشروع الأميركي وفي فلكه تدور إسرائيل وما يعرف بدول الاعتدال العربي وتقاتل من أجله طوائف المسيحيين والسنة والدروز بالمجمل مقابل المشروع الإيراني وفي فلكه تدور سورية وحماس وطائفة الشيعة في لبنان. 

تشتد العصبية الطائفية في لبنان، وقد تجد نفسك قاتلا أم مقتولا، وقد تقاتل دفاعا عن المشروع الأميركي على غير قناعة وقد تقتل دفاعا عن المشروع الإيراني مرغما، يصف الصحافي المخضرم روبرت فيسك الذي غطى حروب لبنان الأهلية السابقة ما حصل: "إن ما حدث في بيروت اذلال آخر للولايات المتحدة عندما استولى المقاتلون الشيعة بجانب مسكني وهم يطلقون ابواق سياراتهم ويرسمون اشارة النصر وهم يستعرضون اسلحتهم ليعلنوا لمسلمي بيروت السنة ان الحكومة المنتخبة قد خسرت المواجهة". ويضيف فيسك ان الولايات المتحدة قد خسرت المواجهة في الوقت الراهن حيث وليد جنبلاط وسعد الحريري محاصران في منزليهما في بيروت.

ويشير فيسك الى ان ما لفت انتباهه اكثر ان مقاتلي حزب الله الذين انتشروا في شارع الحمرا في بيروت كانوا يحملون بنادق قنص اميركية جديدة. ويختتم فيسك تعليقه على ما حدث في لبنان بالقول بانه "ليست حربا اهلية ولا انقلاب امر واقع رغم الشبه بينهما انها جزء من الحرب ضد الولايات المتحدة في الشرق الاوسط".

يحار الرأي العام العربي في الانحياز مع من، فهو وأكثريته الساحقة سنية، ينحاز طائفيا  إلى سنة بيروت المظلومين، لكنه نفسه ينحاز مع حزب الله في مواجهة أميركا وإسرائيل. كما حدث في حرب تموز. والحل يكمن في دخول إسرائيل على خط الأزمة التي ستوحد الرأي العام العربي وراء حزب الله.

[email protected]