يحدث في حضانات أطفال!

لا يمكن إلا أن تعتريك الصدمة، كما حصل معي وأن أستمع لقريبة لي تحدثني عما تشاهده من شرفة بيتها المطلة على إحدى رياض الأطفال. إذ لم يكن ما حصل، ولا بد أنه ما يزال يحصل هناك وفي حضانات أخرى، سوى إساءة مكتملة الأركان بحق أطفال، وفي مكان يفترض أن يكون آمنا وحاميا لهم.اضافة اعلان
في تلك الحضانة أطفال بعمر الزهور، لا يتجاوز كبيرهم، غالباً، الرابعة من عمره. لكنهم يتعرضون على يد المشرفات “الحاضنات!” لأبشع أنواع الإساءة اللفظية، ومن ضمنها كلمات “بذيئة” يتم وصفهم بها. ويصل الأمر أحياناً حد الإساءة الجسدية، مع “وعي لاإنساني” يقوم على تجنب ترك أثر على جسد الطفل.
الصدفة وحدها جعلت قريبتي تشاهد ما حصل، ليكون مبرراً القول إن “ما خفي أعظم” بحق أطفال لا ذنب لهم إلا أنهم وقعوا في أيد غير أمينة على نفسياتهم قبل أجسادهم، يستغل أصحابها حداثة أعمارهم، وعدم قدرتهم على التعبير عن أنفسهم ليعاملوهم بشكل لاإنساني.
في تلك الحضانة، مشرفة تجرّ طفلا بطريقة مهينة في الساحة الخارجية. وأخرى تشد طفلاً ثانياً من أذنه، وثالثة تدفع آخر بيدها، وتنعته بأبشبع الصفات! ولا خشية لديهن إلا من ترك آثار الجريمة على أجساد الأطفال، فلا يعلم الأهل بما يتعرض له فلذات أكبادهم. فيما الآثار النفسية المستترة قد ترافقهم مدى الحياة!
لكن هل تشعر هؤلاء المشرفات أنهن مربيات فاضلات، أو حتى مربيات وكفى؟! بل ألا يشعرن أنهن يتجردن من كل إنسانية وأخلاق وهن يستقوين على أجساد صغيرة، وعقول ما تزال تنمو، ستحمل معها للأسف ذكريات مؤلمة؟
في الحضانة، يفترض أن تتطور قدرات الطفل نفسيا واجتماعيا وجسديا، وحتى معرفيا بدرجة ما. ومع خصائص الأطفال في تلك الفترة، فإنه ينبغي الالتفات إلى كل التفاصيل الصغيرة كما الكبيرة، من نظافة، والتزام كامل بمعايير السلامة، وكيفية التعامل معهم. وهو ما يفرض، بلا أدنى جدل، تشغيل المؤهلات فقط، ممن يحملن شهادة بتخصص تربية الطفل، للنهوض بهذه المهمة العظيمة، ناهيك عن كونها جليلة، بل وإخضاعهن باستمرار لبرامج تأهيلية.
المشكلة الأخرى، في السياق ذاته، تبدو في أن الأم العاملة لا تستطيع مغادرة مكان عملها خلال ساعات الدوام، ولو لبعض الوقت، للاطمئنان على طفلها في الحضانة. وقد كان بإمكانها ذلك، باعتباره واحداً من أبسط حقوقها وليس امتيازاً استثنائياً، لو أن جميع المؤسسات والمنشآت تلتزم بالمادة (72) من قانون العمل، والتي تنص على أن “على صاحب العمل الذي يستخدم ما لا يقل عن 20 عاملة تهيئة مكان مناسب يكون في عهدة مربية مؤهلة لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات”.
تشديد وزارة التنمية الاجتماعية رقابتها على دور الحضانة، عبر وضع تعليمات فنية جديدة تختص بتطوير الخصائص النمائية للأطفال في دور الحضانة -وفق ما جاء في تقرير للزميلة نادين النمري في “الغد” قبل يومين- ربما يفتح لنا باب أمل جديد بفرض رقابة فاعلة على جميع الحضانات في المملكة، والتي يبلغ عددها 1050 حضانة، تضم 16 ألف طفل دون سن 4 سنوات، مع تدريب وتأهيل الموظفين المختصين بهذه الرقابة طبعاً. لاسيما بعد رصد مخالفات العام الماضي تقدر بحوالي 30 مخالفة، تتعلق بشكل رئيس بمباني الحضانات ومساحتها، أو عدم تعيين موظفين أكفاء.