يقفون على الحافة

يعيشون بيننا وكأنهم غير مرئيين؛ يعانون ويقهرون كل يوم، يشعرون بإهمالهم والتخلي عنهم.
لم يجدوا من سبيل إلى دعمهم وتقويتهم وتمكينهم، وما من أحد سعى إلى إعطائهم الحد الأدنى من حقوقهم في هذه الدنيا، فما تزال حقوقهم تنتقص رغم الأصوات المتكررة الداعية إلى إنصافهم ومنحهم فرصة ليكونوا جزءا من هذا المجتمع.اضافة اعلان
هم على الهامش، ويقفون على الحواف، انتظارا لمنقذ قد يأتي لينتشلهم من الظلم الواقع عليهم، ليشعروا بإنسانيتهم، بعد أن يستفيق ضمير غائب، نسيهم في غمرة الانشغال والفوضى العامة.
مشاكلهم لا تنفصل عن الواقع العام، فهم كغيرهم يعانون الأمرّين من البطالة والفقر والعوز والحاجة، وضعف الإنتاجية، وما همهم إلا انعكاس للفشل المتراكم في تحقيق التنمية المستدامة في كثير من المناطق.
حالهم أكثر تعقيدا وصعوبة، لأنهم ليسوا كباقي الناس، خصوصا أنهم خلقوا على هذه الحال، ولم يكن قرارهم أن يكونوا ذوي احتياجات خاصة، ما جعل معاناتهم أكثر وأكبر وأقسى من غيرهم.
لم يحصلوا على ما يستحقون من رعاية وعناية خاصتين، تليقان بهم تقديرا لظروفهم الخاصة. إهمالهم كان مضاعفا، وجاء من كل حدب وصوب، إلى درجة زادت من شعورهم بالإعاقة.
الجهات الرسمية كانت أول من أذنب بحق هذه الفئة. وتكشفت عيوب تعاملها معهم بسبب ضعف الأدوات، وبانت ضحالة فهمها لخصوصية واقعهم نتيجة محدودية الإمكانات التي جعلت الحكومات غير قادرة على الوفاء بكل ما يحتاجون.
ولم تكن قلة الحال الحكومي هي وحدها السبب في عدم إنصافهم، بل تكرس الظلم بشكل أكبر حينما قصرت الحكومات، التي تعتبر الجهة المسؤولة عنهم قانونيا، في تطبيق القانون، خصوصا قانون العمل الذي يوجب أن تكون 4 % من التعيينات في كل مؤسسة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
القطاع الخاص لم يرحم أيضا، وما فتئ يتهرب من تطبيق القانون. وقد لا أبالغ إن قلت إنه لا توجد في الأردن مؤسسة خاصة أو حكومية واحدة تلتزم بنسبة التشغيل المقررة لهذه الفئة بموجب القانون.
والتقصير بحق هذه الشريحة يتطلب إعادة مراجعة لكيفية التعامل معها؛ إذ يتوجب على الجميع ابتداء العمل على تطبيق القانون كخطوة أولى. ويبدو هذا الجزء كفيلا بتشغيل كل من يرغب من ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل.
كما أن إطلاق مبادرة من قبل البنوك ومؤسسات التمويل، لإنشاء صندوق تمويل خاص لمشاريع تخدم هذه الفئة، سيساعد على تمكينها وتقويتها، بحيث لا يبقى ذوو الاحتياجات الخاصة عالة على أهلهم وأسرهم، ويكونون جزءا من آلة الإنتاج بدلا من البقاء عاطلين، وذلك من خلال مشاريع إنتاجية تناسب أوضاعهم وإمكاناتهم.
والعمل وفق المنطلقات السابقة يعكس بشكل كبير الإيمان بفكرة المسؤولية الاجتماعية التي طالما قصر القطاع الخاص في أدائها، إلى درجة جعلته مرفوضا من قبل الناس، في بلد يطبق سياسة اقتصاد السوق القائم على زيادة دور القطاع الخاص.
حال ذوي الاحتياجات الخاصة هو مرآة لأحوال التنمية الشاملة في البلد، وتحسن حياتهم دلالة وضع صحي عام، وإهمالهم دليل على القصور والضعف العامين اللذين يعتريان حالة التنمية البشرية بكل تفاصيلها.
وعون ذوي الاحتياجات الخاصة دور نبيل يُنتظر من الجميع القيام به، والتنصل من المسؤولية تجاههم هو تهرب من الواجب الذي تفرضه الطبيعة البشرية قبل القوانين الوضعية.

[email protected]