يوم مكافحة الفساد

يوم أمس كان اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وهذا يعني ان العالم كله يشكو من الفساد، وهذا طبيعي؛ فالفساد هو استحقاق لطبيعة النفس البشرية التي تراوح بين الخير والشر، وأينما وجدت السلطة مع غياب الرادع الاخلاقي والديني والقانوني كان باب الفساد مفتوحا، والسلطة ليست فقط المواقع الرفيعة بل قد تكون السلطة احيانا صينية الشاي والقهوة التي يحملها موظف الخدمات في أي مؤسسة رسمية أو خاصة.

اضافة اعلان

ولعل الخطوة الاولى في ادارة الحرب مع الفساد تكمن في رفض المجتمع الفساد، ولهذا يكون السؤال الاول والأهم أن يملك كل مجتمع اجابة واضحة: هل نرفض الفساد رفضا حقيقيا؟ قد نتحدث جميعا عن الفساد ونشتمه ونطالب بالحرب عليه, لكن هل يعني هذا اننا نرفض الفساد؟ والاجابة تحددها محكات واختبارات: أي لو عرض على احدنا مهما كانت سلطته ان يمارس الفساد وبشكل يعود عليه بالمصلحة هل يرفضه؟

لعل كل مواطن من أعلى الهرم إلى ادناه عليه أن يسأل نفسه هذا السؤال بشكل غير معلن، ومجموع الاجابات الصادقة هي التي تحدد موقف كل مجتمع من الفساد، فكلنا نتحدث عن فساد الكبار وعن هدر المال العام واستغلال السلطة لاتخاذ قرارات ادارية محصلتها فساد وإعطاء اشخاص حقوقا ليست لهم، لكننا قد نجد مواطنا يشتم الفساد لكن ان اتيح له التحايل على المال العام من خلال الحصول على مياه دون ثمن او تعطيل ساعة الكهرباء او استغفال مواطن آخر واستغلاله او إعطاء ابنه وظيفة ليست له أو غيرها من أشكال الفساد حتى وان كانت صغيرة الحجم فإنه لن يمانع, ورغم ان مردود هذا الفساد قليل الا ان العبرة في الرغبة والاستعداد لممارسة الفساد.

قد يقول قائل ان مجموع ما يأخذه صغار الفاسدين لا يساوي عملية واحدة لأحد الكبار وهذا صحيح, لكن كلا النوعين فاسد، وهذا يعني ان الحرب على الفساد لا تكون شاملة او حقيقية بل هي صعبة، ويجد "كبار الكسبة" من الفاسدين حولهم "صغار الكسبة" الذين لديهم الاستعداد للمشاركة في الفساد مقابل ثمن حتى لو كان تافها.

وخطورة الفساد الحقيقية ليست في كميات ما يتم استلابه من المال والادارة، بل في انه نقيض للعلاقات السوية بين الشخص ووطنه، فمن يسرق بلده وهو يعلم انه يضعفه ويصيبه في مقتل فإنه لا يمكن ان يكون منتميا، فليس معقولا أن تكون سارقا فاسدا تهدم بلدك وبعد ساعات ترفع صوتك في الغناء والمديح والحديث عن الانتماء. وهذا ما يفسر تغير اشكال العلاقات بعد توقف اشكال المنافع وابواب السلطة والمال.

وفي يوم مكافحة الفساد نتذكر أن هناك فاسدين وهنالك مفسدين، والمفسد أكثر خطورة لكنه يحتاج في عمله إلى طبقة من الفاسدين يقدم لهم أثمانا، لكنه يحتاج أولا إلى إفساد من حوله لتتحول البيئة كلها الى بيئة فساد، واذا كانت آفة المخدرات تضم تجارا ومروجين ومتعاطين، فإن المفسد يضم كل هذه النوعيات وفساده مرعب.

والفساد ليس مالاً تتم سرقته، لكنه تطور الى اشكال ومستويات, فهنالك الفساد السياسي الذي يؤدي الى هدر قيمة المؤسسات، او الى تجيير السياسة لتصبح في خدمة بعض المصالح, او الى صناعة اصحاب قرار في عالم السياسة دون كفاءة او قدرة.

ومنه الاداري، فالقرارات الادارية التي تمنح مواقع وتعطي ألقابا أو تمنح تسهيلات وتراخيص دون وجه حق كل هذا جزء من منظومة الفساد.

لا نستطيع أن نحصر اشكال الفساد وأنواعه لكنه ثقافة وبنية اخلاقية، فالفساد لا يتوفر او ينمو وسط اصحابه إلا إذا أمنوا العقوبة او وجدوا غطاء، او كانت التشريعات ضعيفة وسهلة الاختراق, لكن الخطير أيضا ان يكون الفساد البسيط هو هدف الحرب للتغطية على الفساد الكبير، وأن تحمر الوجوه ويظهر الغضب، عندما يمارس مواطن صغير فسادا من النوع البسيط، بينما يجد الفاسد أو المفسد الكثير من الاستثناءات والحماية.